-A +A
جميل الذيابي
من يتابع سياسات الرئيس التركي أردوغان يعرف مدى جنونه وسعاره المستمر إلى أن يكون خليفة «العثمانية الجديدة»، باستغلال القلاقل في بعض البلدان العربية لاعباً على كل الحبال. وواضعاً جماعة الإخوان المسلمين مخلباً لتحقيق أهدافه ومخططاته. فقد وفَّر لقادتها وكوادرها الملاذ في بلاده. ومنحهم التراخيص لإنشاء قنوات فضائية لممارسة التحريض والابتزاز والتشويه ومهاجمة بلدانهم عبر تسويق الأكاذيب والشعارات البالية.

عمد أردوغان إلى توثيق صداقته بنظام «الحمدين» الذي يمثل بيت مال الإخوان الضالين المُضلِّين. وتحالف مع نظام الملالي في إيران بحثاً عن غطاء يتيح له اقتطاع الشمال السوري من دون عراقيل من حلفاء بشار الأسد.


ولعل مواقفه من قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي أنصع مثال لميكافيللية «رجل أوروبا المريض». فهو يحشد إعلامه وقنواته وصحفه الإخوانية لاستعداء العالم على السعودية، وقيادتها، وفي الوقت نفسه يريد إبقاء «شعرة معاوية» مع الرياض، لأنها إذا عمدت إلى سحب استثماراتها الضخمة في تركيا، أو حذرت مواطنيها من تمضية عطلاتهم هناك، فإن اقتصاد بلاده سيواجه اعتلالاً شديداً، وهو المعتل أصلاً (معدل التضخم السنوي في تركيا يتجاوز 20%).

ولا يتوانى أردوغان في الإيعاز للصحف المحسوبة على حزبه «الإخواني» الحاكم على مهاجمة الرياض ونشر تسريبات وفبركات. وينزل الحلبة بنفسه ليلقي خطاباً أو يجري مقابلة تلفزيونية مطلقاً الاتهامات المكررة نفسها، والمزاعم التي لا تسندها أدلة، من إساءات للسعودية.

ومن الواضح أن تعويل أردوغان على مشروع الإخوان المتأسلمين يستهدف أمن الدول العربية كافة، وليس السعودية أو مصر فقط.

ولن يجد غير «الإخوان»، فهم وحدهم الذين يعملون على استعادة ما يسمى الخلافة الإسلامية، التي هي في حقيقتها خلافة عثمانية، استحلت أراضي ودماء المسلمين في أقطار العروبة كافة، وارتكبت أبشع الجرائم في تلك البلدان، من تقتيل، وعنف، وتعسف، وجبايات، ونهب وتصفيات... وكل ذلك باسم الإسلام.

فما هي الدولة العربية التي تتوق لإحياء هذا المشروع العثماني الاستعماري الظالم، الذي هو في حقيقته تسييس للدين، واستغلاله في تحقيق مقاصد الإخوانيين من عرب وعجم؟ لا توجد دولة عربية واحدة راغبة في التنازل طوعاً عن سيادتها وأراضيها ليكون أردوغان ومستشاروه و«الحمدين» و«إخوان» الضلال حكامها الذين يرسمون لها سياساتها، ويحددون لها مواقفها، ويستأثرون بخيراتها وثرواتها الطبيعية والمادية.

لقد سعى أردوغان حتى حفيت قدماه، سعياً حثيثاً، إلى إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن تتخلى الولايات المتحدة عن تحالفها الإستراتيجي مع السعودية، لتحل تركيا بديلاً منها. إنه يريد أن يكون «كبير الشرق الأوسط». لكن واشنطن تجاهلت العرض التركي. وتمسكت بالسعودية وسياستها المتوازنة والواضحة، لتواصل دورها الحيوي في قيادة العالمين العربي والإسلامي.

ومن الواضح أن توجهات أردوغان المتأسلمة المتمسكة ببعض القشور العلمانية هي أيضاً الصخرة التي تحطمت عندها كل محاولاته على مدى سنوات لإقناع الاتحاد الأوروبي بمنح تركيا عضويته، أو على الأقل وضعاً يتيح له أن يستحلب الفرص التجارية والصناعية الهائلة في الدول الأوروبية الـ 27 التي تتمتع بعضوية الاتحاد. وذهب إلى أفريقيا ليحاول طعن العرب من ظهورهم، محاولاً اقتناء قواعد بحرية وجوية في دول تقع في تخوم العالم العربي. لكن محاولاته باءت أيضاً بالفشل الذريع. فهو يعتقد أنه بـ «الفهلوة» الدبلوماسية يستطيع أن يخترق الجدار العربي!

الأكيد أن على العالم أن يهب إلى تجريم وحظر جماعة الإخوان، وأن يفضح من يقفون وراء مؤامراتهم ومخططاتهم لاستعادة دولة الخلافة التي لا تعترف بالحدود السيادية للدول القائمة. وعلى رأس هؤلاء نظام أردوغان. لقد احتشد العالم ضد الإمبراطورية العثمانية فأبادوها تماماً خلال الحرب العالمية الأولى. ويبدو أن مصير طموح أردوغان لن يكون شيئاً غير مصير آخر حكام «رجل أوروبا المريض». لقد أضحى العالم كله يملك إرادة سياسية موحدة لمواجهة العبث الإخواني الذي يحرك أردوغان وتميم بن حمد آل ثاني ووالده وعمه كالدُّمى بيديْه.