-A +A
علي بن محمد الرباعي
قال بعضهم «إنّ حُسنَ الظنِ من سوء الفطن» وأحسب أن أخطر حسن ظن يتمثل في الظن الحسن بالنفس، وبعملها، ومنهجها، والوحي الإلهي منزَّل على النبي عليه السلام. لا يجوز إخضاعه لأهواء وتصورات بشرية هي في الغالب مكتسبات من الأفكار والقضايا المؤزِّمة للروح والعقل والجسد والمزكيَّة للذات على حساب إدانة آخر أياً كان ذلك الآخر حتى وإن كان من أقرب الناس إليك.

كُنا نتابع النشرة الجوية على إحدى القنوات الفضائية فأظهرت المذيعة على الخارطة التي خلفها حالة الطقس لليوم التالي وأشارت إلى مفارقة كبرى بين أجواء إحدى الدول الغربية الممطرة وبين دولة عربية تسودها أجواء مُغبرَّة لعدة أيام، وحذَّرت المذيعة الصوام من أثر الغبار خصوصاً على مرضى الربو.


أحد الحضور قال بعفوية: يا ليتني في تلك الديار العامرة بالأمطار والخضرة والمناظر الخلابة. فردَّ عليه جاره الطيب بعفوية أيضاً: يا أخي أولئك القوم جنتهم في الدنيا ونحن لنا جنة في الآخرة بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

لستُ في مقام تقييم الطرحين، ولا الميل لأحدهم في هذه العجالة. بل أود التنبيه على خطأ الفكرة السائدة عن المناخ والتضاريس والبحار والأنهار والزراعة، وعلاقتها بتركيبة كونية بحكم جغرافية المكان لا بكفر وإيمان الإنسان.

تحدث القرآن عن أثر الكفران بما فيها كفر النعمة على الكفرة «وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ» وليس لوازم الإسلام أن نرى أنفسنا أفضل من غيرنا، وأنهم وإن تنعموا في الحياة فإنهم سيعذبون بعد الموت، وأن مصيرهم في الآخرة الهلاك والهوان فهذا تألٍّ على الله.

إشكالية كبرى عندما تعود إلى الوحي وتقرأ «إِنَّا لَا نُضِيْعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» ثم تكتشف وأنت القارئ لهذه الآية أنك لم تحسن أي إحسان يخدم نفسك ولا غيرك، ومع ذلك ترى أنك أفضل وأحق بالنعيم ومن خالفك مصيره الجحيم!

ليس من الصواب ولا من الحكمة أن نستهلك أعمارنا دون تدبر للقرآن ونحن في شهره، فما تنسجه الخيالات وما تردده الخطابات ليس بالضرورة هو مراد الله، والآية الكريمة «وإِنَّا أَوْ إَيَّاكُمْ لَعَلَى هُدَىً أَوْ فِيْ ضَلَالٍ مُبِيْنٍ» تعبِّر عن منتهى الموضوعية في رؤيتنا ورأينا لأنفسنا وللآخر مختلفاً أو مخالفاً.