-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
من فضائل هذا الشهر الكريم أنه يحرك في الإنسان مشاعر وأحاسيس ربما لم تكن لتتحرك في أي وقت آخر، فالمتأمل لما عليه الأم داخل الأسرة في هذه الأيام يدرك عظمة هذا المخلوق واستحقاقه للاهتمام الإلهي والوصايا النبوية.

يكفي أن نتأمل الأم داخل «المطبخ» في هذا الجو الحار، وهي تحاول إرضاء من حولها من أفراد الأسرة، وبخاصة أولادها، صغارا وكبارا؛ فهذا يريد – في رمضان – صنفا معينا من الطعام، والآخر يريد صنفا مغايرا، وربما طلب منها كل فرد من أفراد الأسرة صنفا يختلف عن الآخر، وهي تستجيب لكل واحد، راضية وسعيدة، وهي تلبي رغباتهم، دون أن تشكو من حرارة المطبخ، وإرهاق الوقوف على مدى ساعات، وهي صائمة نهارها، وقائمة ليلها، ناهيك عن متابعتها لدروس أبنائها، ومراقبة كل أمور البيت، حتى لو كان فيه من تعاونها، فكثير من الأمهات لا يتنازلن عن بعض المهام الرئيسية لربة البيت وسيدته، أضف إلى ذلك طلبات زوجها، والاستجابة للولائم المتكررة التي لا يخلو منها بيت من بيوتنا في هذا الشهر المبارك.


هذا جانب واحد من الجوانب المضيئة للأم في أسرتها، ولعله يفسر للبعض توصية الرسول – صلى الله عليه وسلم – للسائل من صحابته عن أحق الناس بصحبته، حين أجابه قائلا: أمك ثم أمك ثم أمك. استحقت وصية الرسول – عليه الصلاة والسلام – ثلاث مرات، ربما مرة لما لاقته من عناء في حمل طفلها داخل أحشائها، ومرة لما كابدته من آلام في ولادتها، ومرة لما تحملته من تعب ومشقة في رعاية وتربية هذا الوليد، حتى صار شابا يافعا، يتدلل عليها ويطلب ما شاء من أصناف المأكولات والمشروبات، تنفذها سعيدة مسرورة راضية.

هذه المرأة العظيمة – الأم – قد نسيها كثيرون من الأبناء في تلك الأيام المباركة، فالبعض ممن استقل عن أسرته وصارت له زوجة، وعاش بعيدا عن مقر أسرته، قد نسي زيارة أمه، أو تكاسل عن زيارتها مع بدايات شهر رمضان، والبعض اكتفى باتصال هاتفي، ولو تذكر تلك اللوحة الرائعة للأم في مطبخ بيتها وهي تحقق كل رغباته، ما قطع رحمه، وهل هناك رحم أحق بالسؤال والرؤية والزيارة من رحم الأم.

هذه السطور، أذكر بها أبناءنا وشبابنا، ممن فاتتهم صلة أمهاتهم بصورة دائمة، وفي رمضان المبارك على وجه الخصوص.

سارعوا أيها الشباب، والزموا أمهاتكم في هذه الأيام، وتذكروا عطاءها السخي لكم من دمها وجسدها وصحتها ووقتها.

فاللهم بارك في من على قيد الحياة من أمهاتنا، وارحم من فارقونا إلى جوارك.. اللهم آمين.