-A +A
منى المالكي
يعرف فارنزورث Farnsworth «الأسطورة» أنها عبارة عن شائعة أصبحت جزءاً من تراث الشعب الشفهي هذا التراث الذي لا يمكن تكذيبه، فاليابانيون على سبيل المثال بلغوا قمة التكنولوجيا، وتسنموا هرم التقنية، إلا أن عقولهم تتجمد وتتحنط عندما تتعامل مع إرثها الثقافي، فلا يحاول الياباني صانع الكمبيوتر، ومهندس الإلكترونيات، أن يُعمِل عقله نقداً وتمحيصاً في هذا الإرث الثقافي المليء بالخرافات والخزعبلات، بل يسلم له تسليم مستسلم لصحته وصدقه، فمن معتقدات اليابانيين في الجن مثلاً، أنها تحضر زفاف العروسين، لذلك وخوفا من شرهم يقومون بنثر الأرز والفواكه والتمر والنقود، من أجل دفع شر هذه الأرواح الشريرة عن العروسين.

دعونا في البدء نتفق أن الجن هم خلق من خلق الله وذكرهم في القرآن الكريم دليل لايمكن إنكاره أبداً، ولكن الوهم الذي يغلب على الأغلبية هو في قوة تأثيرهم على الإنسان وامتلاكهم قوة خارقة في التبدل والتحول وتغيير قدر من يتلبسونه أو يعشقونه وهذا شائع عند كثير من الشعوب حتى و إن بلغت شأناً عظيما في الحضارة.


هذا ما دفعني لمناقشة فكرة مسلسل «عندما يكتمل القمر» فهي فكرة مدهشة درامياً وسلسلة أفلام «هاري بورتر» دليل قوي على رواج مثل هذه العوالم العجائبية بأحداثها بين الجمهور، فهي تحقق ارتفاعاً كبيراً جداً في نسب المشاهدة، لكن لو بقيت مادة درامية للتسلية والترفيه، وتقدم إلى جانب ذلك محفز للتفكير والبحث بجانب المتعة والدهشة، ولكن أن تتحول في العقل الجمعي للمشاهدين إلى إثبات حقيقة التلبس وعودة «تجارة الوهم» ذلك الوهم الذي اقتات على مخاوف الناس زمناً، وبعثه من جديد كارثة كبرى، بعد أن ارتحنا من صرخاتهم من فترة بسيطة فقط.

هنا لابد من الوقوف قليلاً ومعالجة هذه الوهم معالجة اجتماعية، وهو بالفعل ما حدث ويحدث منذ سنتين تقريباً، ولكني هنا سأتوقف عند المعالجة الدرامية، ففي مسلسل «عندما يكتمل القمر» لم ينجح أحد غير «جمعان» الفنان فيصل العميري بأداء تمثيلي مبهر ومقنع، واستخدام رقصة السامري ثيمة أساسية هو استخدام فني جيد لو تم توظيف هذه الرقصة بتقنيات أكثر فنية لأعطت للحدث قيمة فنية وإبداعية أفضل. أما الحوار فقد بدأ إنشائياً جداً، لا يحمل قيمة فنية أو معرفية للمشاهد ترتقي به من خلال لغة ترتفع بالأحداث والصراعات، وتنقلها من مستوى الوهم إلى مستوى صانعة للحدث نفسه، و اعتماد الحكاية على جمال «فلوة» فقط، والزج بقصة الحب الضعيفة تلك بين «جمعان وفلوة»، وجعلها المسيطرة على الشخصيات وتحريك الأحداث فقط، نزل بمستوى الحكاية إلى مستوى شعبي جداً بقيت فيه ولم تخرج إلى أن تكون القصة متفردة بصانعيها الجدد، فظلوا عالة على رواية شعبية قديمة لم يخرجوا من جلبابها.

وفي الحالة الدرامية لقصة المسلسل الذي يندرج تحت حكاية «العجائبي» أي الحدث الخارق للعادة، يقسم النقاد هذه النوع إلى أن يكون حالة إيجابية أو سليية، فالأول: حينما نكون أمام حدث يترك أثرا إيجابيا على نفسية المتلقي؛ لأن المتعجب منه مستحسن يثير الاندهاش، والإعجاب لروعته وخروجه عن المألوف الذي لا يثير فضوله، كتحول البطل إلى سوبرمان لإنقاذ شاحنة تكاد تسقط في النهر مثلاً، أو أن يكون البطل أمام حدث عظيم كأن يكون مطالبا بالمحافظة على حجر الفلاسفة كما في سلسلة هاري بورتر الشهيرة.

أو نكون أمام حدث يترك أثرا سلبيا على نفسية المتلقي؛ لأن الحدث مستهجن، إما لغرابته، وإما لشذوذه، وإما لما يبثه من هلع وخوف ورعب إلى درجة القلق مثل: تحول الشخصية العدائية إلى شيطان أمرد أو قرد ممسوخ.

فإلى أي النوعين ينتمي مسلسلنا الشهير؟!.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@