-A +A
صدقة يحيى فاضل
تتكون منظمة الأمم المتحدة - كما هو معروف - من ستة فروع رئيسية مترابطة، هي: الجمعية العمومية، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، الأمانة العامة، محكمة العدل الدولية. وهناك منظمات ولجان متخصصة عدة تابعة للمنظمة الأم. ويبدو أن أحد الأجهزة، وهو مجلس الوصاية، قد استنفد معظم أغراضه، أو كاد. ففي فترة نشوء الأمم المتحدة كانت هناك أقاليم تحت انتداب بعض الدول، بموجب عهد عصبة الأمم، وأقاليم موضوعة تحت «وصاية» دول أخرى. لهذا، خصص أحد فروع الأمم المتحدة (التي قامت على أنقاض عصبة الأمم) لتولي الإشراف على تلك الأقاليم... حتى يتحدد وضعها النهائي، ويُلغى وضعا الانتداب والوصاية. ويقوم هذا المجلس بالتنسيق بين سكان هذه الأقاليم، والقوى المنتدبة، والعصبة (الأمم المتحدة في ما بعد).

وقد حصلت الغالبية من الأقاليم التي كانت تحت نظامي الانتداب والوصاية هذين، على الاستقلال السياسي. حيث ساهم مجلس الوصاية في تحقيق ذلك الاستقلال... ولم يعد له أهمية كبيرة، نظرا إلى محدودية نطاق اختصاصه، في الوقت الحالي. لقد أضحى إلغاؤه أو تطويره ممكنا، بانتهاء نظامي الوصاية والانتداب، من العالم كله، باستثناء بعض المناطق التابعة القليلة. وقد تتبادر للذهن هنا قضية فلسطين، باعتبارها أهم مخلفات نظام الانتداب. ولكن هذه القضية استبعدت من مجلس الوصاية منذ الخمسينات. ويكاد التحالف الاستعماري - الصهيوني أن يصفي هذه القضية تماما لصالح الكيان الصهيوني، لولا بقية من مقاومة.


ويتكون هذا المجلس من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تتولى الوصاية على بعض الأقاليم، والدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن غير القائمة بالوصاية على أي منطقة، والعدد من أعضاء الأمم المتحدة الذي يكفل المساواة العددية بين مجموع الدول القائمة بالوصاية، والدول التي لا تمارس الوصاية... تقوم الجمعية العامة بانتخابهم لمدة ثلاث سنوات، قابلة للتجديد.

***

ونظرا لأنه لم يعد لهذا المجلس حاجة كبيرة، فإن الدعوة إلى تعديل ميثاق الأمم المتحدة، التي ما زالت قائمة، يحسن أن تتضمن إلغاء هذا المجلس... واستبداله بمجلس آخر، يحتاج إليه العالم، وبخاصة النامي، حاجة ماسة وأكيدة... أو إبقاءه إلى حين استقلال ما تبقى من مناطق تابعة، وإنشاء مجلس، أو جهاز سابع جديد، للقيام بمهمة أكثر أهمية وإلحاحا. فمن المعروف أن عالم اليوم يشهد تحولا، من ما تبقى من ديكتاتوريات عسكرية إلى الديمقراطية. ولكن هذا التحول كان - وما زال - يواجه عقبات كأداء ضخمة، يأتي في مقدمتها: تزوير الانتخابات، أو عدم الحرص على نزاهتها، والتلاعب بالقوانين الدستورية. الأمر الذي يستوجب إنشاء جهاز أممي... يتولى الإشراف على آليات ذلك الانتقال المأمول، بما يضمن صحة ونزاهة الانتخابات، والإجراءات، ومن ثم تحقق الأهداف المتوخاة للشعوب منها.

***

إن الانتخابات غير السليمة لا تؤدي، بالطبع، إلى النتيجة المأمولة محليا وعالميا... بل إن هذه الانتخابات ينتج عنها تدعيم الديكتاتوريات المستبدة، وربما استبدال ديكتاتوريات بأخرى. لهذا، تتبرع بعض الجماعات والهيئات الدولية بمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تتم في بعض الدول النامية، من حين لآخر... لضمان نزاهتها وسلامتها، وصحة الإجراءات المتعلقة بها، وبالتالي ضمان حصول التحول الفعلي المطلوب.

وبذلك يكون من المناسب الآن أن تنشئ الأمم المتحدة مجلسا، أو جهازا رئيسا آخر لها، مهمته: الرقابة على الانتخابات في بعض الدول النامية، وكل الدول التي تثبت حاجتها لمثل هذه الرقابة... حتى يتحقق التحول النوعي المطلوب، ويستأصل الاستبداد بشكل فعلى... ويسود البلاد المختلفة الاستقرار السياسي المرجو، الذي يسهم في استتباب الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يحقق أهداف الأمم المتحدة، وما نص عليه ميثاقها.

والأمثلة على حاجة معظم الدول النامية (إن لم نقل كلها) إلى خدمات هذا المجلس أكثر من أن تحصى... إذ يكفي أن يتابع المرء انتخابات رئاسية أو تشريعية، في كثير من دول العالم، وخاصة النامي، ليرى كيف أن بعض هذه الانتخابات لا يسير على النحو السليم... وكيف يتكرر التزييف، وتكثر التجاوزات الدستورية المعروفة. لذلك، فإن مجلسا للرقابة في هذا الشأن، تابعا للأمم المتحدة، ومصمما كي يحقق أهدافه الرئيسة، بما يكفل نزاهة الممارسة، يسهم في خدمة الشعوب، ويساعد على استتباب الأمن والسلم الدوليين.

***

إن اضطلاع الأمم المتحدة بهذا الدور هو أمر ضروري يقتضيه الأمن الدولي. والقيام به يمنع الكثير من الاضطرابات اللاحقة، وعدم الاستقرار. ولا يجب اعتباره «تدخلا في الشؤون الداخلية». التدخل الحقيقي هو تدخل أطراف، محلية وأجنبية مختلفة، لتزوير الانتخابات، ودعم هذا الديكتاتور أو ذاك. ولقد أصبح استتباب الأمن والسلم الاقليميين والدوليين مسؤولية ومصلحة دولية مشتركة، ناجمة من تشابك وتداخل مصالح الدول والشعوب المختلفة.

وفى الوقت الحاضر، تقوم مؤسسات مجتمع مدني دولية عدة، محدودة الإمكانات، وغامضة الأهداف، بمهمة مراقبة بعض الانتخابات. وهى مهمة تحتاج إلى جهاز أممي قوي وفعال، وبإمكانات مناسبة لأداء مهامه الجليلة. وكما تمكن مجلس الوصاية من إنهاء معظم الاستعمار القديم (المباشر) من معظم أرجاء العالم، فإن مجلس الرقابة على الانتخابات هذا يمكن أن يحرر كثيرا من شعوب العالم من الفساد والتسلط (الناجمين عن استحكام بعض المصالح الخاصة)... اللذين هما السببان الرئيسان لتخلف تلك الدول، وتعثرها، وانتشار الاضطرابات والقلاقل فيها. وهذه مهمة تستحق أن تكون من أولى مهمات الأمم المتحدة.

***

وبعد، كثيرةٌ هي الإصلاحات المطلوب إدخالها على ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وأسلوب عملها الحالي، واضطلاعها بنشاطها... كي تتحقق الأهداف النبيلة من إنشاء هذه المنظمة الأممية، التي يفترض أن تكون الوسيلة الأنجع لبسط السلم والأمن الدوليين، ودعم الرفاه لكل البشرية، بناء على التطبيق الفعلي- على الساحة الدولية - لمبادئ الحرية والعدالة والمساواة. ومن تلك الإصلاحات ما ذكرناه هنا، عن إنشاء جهاز جديد للغرض المشار إليه، الذي تظل غالبية الإنسانية في أمس الحاجة إليه.

ولكن الطبيعة الانتهازية للقوى الدولية المتنفذة، المهيمنة حاليا على الأمم المتحدة (والقادرة على إحداث التغييرات، الإيجابية والسلبية) تجعلها لا تفكر إلا في ما يحقق أطماعها، ويشبع نهمها للسيطرة والاستغلال. وهذا ما يجعل من الصعب على المراقبين التفاؤل بحصول تعديلات إيجابية حيوية (لصالح البشرية - بصفة عامة) في المدى القصير (على الأقل) في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يظل وثيقة... ما زالت الشعوب تضع عليها الكثير من الطموحات والآمال... رغم أن القوى الاستعمارية والعنصرية المهيمنة ما زالت تجعل هذه الطموحات مجرد أوهام، وتلك الآمال مجرد أحلام... غير قابلة للتحقق، إلا ربما في المنام.

* كاتب سعودي