-A +A
طارق فدعق
يرمز العنوان إلى من يدعي «يعني، يعني» أنه في قمة الشجاعة وهو غير ذلك تماما. ويقال إن الوصف الساخر مصدره الشقيقة مصر. وتوجد أمثلة كثيرة على هذا النوع من «السباع» التي تدّعي الشجاعة، وهي بعيدة كل البعد عنها. واخترت لكم أحد أغرب الأمثلة على ذلك وقصتها كالتالي: إحدى أغرب الزهور على الإطلاق هي زهرة الخشخاش التي يستخرج منها مخدر الأفيون. وهي من «قبضايات» الزهور، فهي تقاوم البيئة القاسية، مهما كانت صعوبة ظروف التربة والمياه. وتقاوم أيضا الآفات والحشرات بسبب ما تنتج بداخلها من منظومات دفاعية. ولكن ما يميز تلك الزهرة العجيبة هي أنها تحتوي على خلطة فريدة نسميها «الأفيون». وتحتوي على مجموعة مواد أساسية تشمل المورفين وهو أقوى المهدئات الطبيعية في العالم، و«الكوديين» وهو من المهدئات والمضادات للسعال، ومواد أخرى تؤثر على قتل الآلام. وجعلت تلك الخلطة الفريدة الأفيون أحد الخيارات الدوائية المختارة لمعالجة الآلام بأشكالها وأنواعها سواء كانت للجروح، أو الحروق، أو الصداع، أو المغص، أو الربو، أو السعال، أو الارتفاعات في الحرارة، أو حصى الكلى، وعشرات الحالات الأخرى للكبار والصغار. وللأسف لم تنتشر معلومة مخاطر الإدمان الشديد الذي تسببه تلك الخلطة الخطيرة. وبنهاية القرن السادس عشر، كان المزاج الأوروبي قد بدأ التعود على الشاهي الذي كان يصدر من الصين. وعلى مر السنين لم يرض الإنجليز بالذات على ضخ كميات هائلة من الفضة الثمينة من الخزينة البريطانية مقابل الشاهي الصيني. وعليه، فبدأت سياسة تصدير الأفيون إلى الصين مقابل الشاهي، لدرجة أن حوالي ربع الشعب الصيني كان يتعاطى تلك المخدرات بآثار صحية، واجتماعية، واقتصادية مخيفة في حجمها ودمارها. وحاولت الحكومة الصينية أن تحد استيراد الأفيون القادم من الهند بشتى الطرق، ولكن الحكومة الإنجليزية كانت مصممة على التصدير بطرق سافرة. الشاهد أن الموضوع انتهى بالصدام المسلح فقامت حرب الأفيون الأولى عام 1839 ثم حرب الأفيون الثانية عام 1860. وخسرت الصين الكثير من الأرواح، والمال، وجزيرة هونج كونج بأكملها، و«بعزقة البرستيج» طبعا، وفي مطلع القرن التاسع عشر، قام عالم الكيمياء الألماني «سرتورنر» على وزن «سر تونه» باستخراج مادة «المورفين» من الأفيون. وبالمناسبة فقد أطلق «أبوالتونة» الاسم على المادة كونها تولد الأحلام الخرافية لأن اسم مورفين مشتقا من «مورفييس» ملك الأحلام. وكان الهدف هنا أن يقلص مستوى الإدمان من خلال تركيز المفعول وتقليص الكمية المستخدمة. وأضف إلى ذلك اختراع «الشرنجة» في مطلع القرن الثامن عشر لحقن المخدر مباشرة لداخل الجسم. فكانت التوقعات أن مشكلة الأفيون ستنتهي. ولكنها كانت «خبيصة» بمعنى الكلمة. فنتيجة فصل المورفين من الأفيون كانت كارثة. من خلالها ازدادت معدلات الإدمان وانتشار المخدر حول العالم بطرق مخيفة. وبنهاية القرن التاسع عشر جاء عالم كيمياء في قمة الذكاء بطريقة مبتكرة لمعالجة مخاطر الأفيون. هذا الرجل كان اسمه «فيلكس هوفمان» وكان يعمل في شركة اسمها «باير» وكان قد نجح في تغيير مجرى التاريخ من خلال إعادة تصميم مجموعة عناصر أساسية فاخترع دواء «الإسبيرين» ليغير تاريخ العالم. وهنا تجلت «الهيامة» العلمية في أقوى أدوارها فقام العالم «هوفمان» بتحضير المستحضر الجديد من «المورفين»، وقام بتجربته على مجموعة محدودة من الموظفين في شركته. وكانت النتائج الأولية إيجابية. ووصف كل من تناول المستحضر أنهم لم يشعروا بالألم، بل شعروا بالنشوة، وبالشجاعة والإقدام وكأنهم «سباع». فأطلق على المستحضر الجديد اسما مشتقا من الكلمة اللاتينية للبطل Hero وهي «هيروين». وكانت طبعا بطولة مصطنعة وهي في صميم وصف «سبع البرمبه». وبعدها بفترة بدأت النتائج الحقيقية تظهر لهذا المخدر الخبيث، وأنه كان أسوأ من المورفين الذي كان بدوره أسوأ من الأفيون. وأخيرا، فمن العجائب أن شراء الإسبيرين كان يتطلب «روشتة» بينما كان يباع الهيروين بدون وصفة، وكان يباع في أغرب المحلات، وبطريقة رسمية ويعطى لجميع الأعمار... يعني تخيل واحد يروح الدكان ويقول «هات خوخ، وتفاح، وموز، وكام حبة هيروين علشان البزورة عندهم مغص»... وكده يعني.

أمنيـــة


سبحان الله أن بعضاً من الاكتشافات العلمية تحتوي على المفاجآت العجيبة. وتاريخ الأفيون يحتوى على العديد من القصص الأغرب من الخيال في مجالات الاقتصاد، والمجتمع، والسياسة، والبطولات المصطنعة. أتمنى أن يقينا الله شرور تلك التجارب، وبكش «سباع البرمبه».

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي