-A +A
طارق فدعق
بعض الكلمات التي نستخدمها لوصف الأشياء الصغيرة رائعة في لفظها، وذلك لأنه يعكس مقدارها. ومن تلك الكلمات «التنتوفة»، و«الصغنطوطة»، و«الفتفوتة»، و«النونو» و«النانو»، وحتى كلمة «صغيرة» تتميز بخفة الدم. وهناك العديد من الطرائف لعالم الصغائر، ومنها ما يستحق وقفات تأمل، واخترت لكم التالي:

خلال هذا الأسبوع يحتفل العالم المسيحي بأهم الأعياد في عالمهم، وهو عيد الفصح. ويفوق في أهميته عيد مولد المسيح الذي يعرفه عالمهم باسم «الكريسماس». وهو العيد الوحيد الذي يتهافت خلاله «حجاج» العالم المسيحي من جميع بقاع العالم إلى القدس الشريف للاحتفال بذكرى مهمة في معتقداتهم. وتاريخ هذا العيد لا يقع في نفس اليوم من كل سنة ميلادية فهو يتراوح ما بين آخر أسبوع في شهر مارس إلى أخر أسبوع من شهر أبريل. وخلال هذا العام، يقع عيد الفصح بتاريخ 21 أبريل ولن يتكرر هذا التاريخ لفترة. ومن أسباب التباين عبر السنين هي طريقة احتساب السنين الميلادية بتقويمين مختلفين: التقويم «اليولياني» Julian أو «اليوليوسي» نسبة الى يوليوس قيصر الذي وضعه عام 46 قبل الميلاد. وطول السنة في هذا التقويم هو حوالى 365 يوماً و6 ساعات، وأما التقويم الثاني هو التقويم «الجريجوري» Gregorian نسبة إلى البابا جريجوري الثاني وطول السنة فيه يختلف اختلافاً «صنغطوطاً» إذ يبلغ 365 يوماً و10 دقائق و48 ثانية فقط. الفارق بينهما قد يبدو وكأنه «تنتوفة» زمنية فهو لا يتعدى 002.%، ولكن مع مرور مئات السنين ظهرت مشاكل حسابية كبيرة أدت إلى التباين الزمني لتاريخ العيد. وهنا لا بد من ذكر قصة مهمة متعلقة بموضوع احتساب التواريخ بفوارقها الصغيرة. في القرن الخامس عشر، كانت هناك مجموعة معضلات حسابية عويصة جداً تطلبت الخروج عن الفكر التقليدي. جاءت تلك الحسابات من شتى العلوم «فبرجلت» الدنيا. وكان الحل من خلال زرع احترام فكر «التنتوفة» و«الفتفوتة»، والفروقات «الصغنطوطة» متناهية الصغر في عالم الرياضيات. وجاء ذلك لحساب فترات زمنية، أو أطوال، أو مساحات. واعترضت الكنيسة اعتراضاً شديداً على تلك الفلسفة التي شبهتها بالكفر. وتحديداً فقد أعلنت الكنيسة الكاثوليكية منع تجزئة الخطوط، والمساحات، والفترات الزمنية إلى نقاط متناهية الصغر لأنها تعارضت مع الفلسفة الأساسية للوجود. وقامت الكنيسة بمبادرة تاريخية مفصلية خلال القرن الخامس عشر، وهي تأسيس «جمعية يسوع» التي تطور اسمها ليصبح «جيزويت» Jesuit فأصبحت من أهم الجمعيات التعليمية الرائدة في أوروبا. اعتنقت هذه الجمعية مبدأ العلم والتعليم، وأنشأت المدارس والكليات، وأنتجت البحوث في مجالات مختلفة وأهمها الرياضيات والعلوم. ومن أهم ما أنتجت تلك الجمعية في بداية تاريخها كانت حل مشكلة عدم وضوح أهم أعياد العالم المسيحي، فخرجت بالتقويم «الجريجوري» الجديد ودخلت عالم الخلود. ولكنها قاومت أيضا بشدة ولفترة طويلة موضوع إدخال حسابات الفتافيت والتناتيف إلى أن اخترع العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن والألماني «ليبتنز» رياضيات التفاضل والتكامل في القرن السابع عشر.


أمنيــــة:

أتمنى ألاّ نهمل الأمور الصغيرة؛ لأن بعضها على درجة عالية جدّاً من الأهمية. وكل 4 سنوات عندما تجد أنك أضفت يوماً بأكمله لحياتك في شهر فبراير تذكر أن هذا بسبب «التنتوفة» الصغيرة جدّاً التي قد لا تبدو أنها مهمة، ولا يعلم أهميتها إلا الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي