-A +A
وفاء الرشيد
لن أحدثكم اليوم عن مستقبل الجرائد الورقية ومهنة الصحافة، فقد فتح النقاش في هذا الموضوع طوال 15 عاما عندما بدأت أرقام التوزيع تقل إلى أن بدأت تنهار في السنوات الأخيرة.

والكل يعلل ما يحدث من انهيار لأسباب قتل بحثها ومازال الحديث متقلبا حول موضوع عرض وطلب...


الموضوع الذي لم يناقش بشفافية وواقعية هو كيفية إدارة هذه المؤسسات الإعلامية على أرض الواقع؟ وما هي سبل الاستثمار فيها من الناحية التشريعية والقانونية في الأساس؟... وما هي الضوابط والشروط في إدارة مجالسها ومجالسها العمومية؟ وأين يكمن التحدي الحقيقي في إيجاد حل لهذه المهنة التي هي في طريقها للانهيار إذا لم يعد النظر في قوانينها وفتح السوق لها؟..

دعوني آخذكم بجولة في بعض هذه القوانين التي استوقفتني في بحثي والتي كان آخر تجديد لها في عام 1422هـ، فهل تعلمون أن من يستثمر ملايين في صحيفة محلية صوته بالمجلس هو كمن يستثمر ريالا واحدا؟ المادة السابعة في نظام المؤسسات الصحفية تنص على أن «أعضاء المؤسسة متساوون في حقوق التصويت أو الترشح لمجلس الإدارة»، فحتى لو كانت هذه الجريدة تخسر ملايينك التي استثمرتها فأنت لا تملك إلا صوتا واحدا بالمجلس، وقد يكون خصمك مهتما بالصحافة ولا يفقه بإدارة الأموال والتجارة شيئا، وفي نهاية المطاف إدارة المؤسسات أيا كان نوعها تستند على العرض والطلب وأصول المخاطر وتذليل القوانين للتماشي مع السوق بعكس ما يتوقعه البعض من هواة الصحافة، وهذا بالضبط ما حدث للواشنطن بوست عندما اشترتها أمازون ونقلتها من العناية المركزة إلى الصفوف الأولى في الإعلام... فخبرات مؤسس أمازون جيف بيزوس بالعالم الرقمي جعلت منه مرشحا مميزا لعائلة غراهام التي ملكت الجريدة منذ 80 عاما، إلا أنها تأثرت من سلبيات الإنترنت الذي أضر الإعلانات التجارية، فضلاً عن معاناتها من تراجع نسبة مبيعاتها خاصة بين القراء الشباب... ولكن المالك هنا كان له المساحة بأن يبيع هذا المنجز إلى تاجر يملك الإمكانيات للنهوض بالجريدة وتغيير سياستها بلا تردد أو صوت هامشي هو ند لقراراته بالمجلس! فهناك قيادات صحفية اليوم توزع أرقاما وهمية وتستلم رواتب فلكية من مؤسسات مفلسة لولا دعم الحكومة لها وتملك لوبيات في المجالس من صحفيين صغار يصوتون للقرارات التي يمليها عليهم من له الفضل عليهم.. والقصة تطول...

نعم الإعلام قوة إستراتيجية لأي دولة، وقد يكون الدعم هنا من أجل البقاء، ولكن أثبت الدعم أنه يبني التبلد في هذه القيادات ويشكل هدرا كبيرا على الاقتصاد والمواطن، والحلول بالمقابل بسيطة وهي فتح الاستثمار في أي صناعة تراها الدولة تنهار، والإعلام أولها، وإن كان الخوف من الاختراق هو الهاجس، فالأنظمة الصارمة والغرامات هي أفضل الحلول لهذه المدخرات الإستراتيجية، مثلها مثل خطورة مهنة الطب ومهنة التعليم وخطورة اختراقها... فهناك اليوم مشكلة واضحة بـ (Business Model) التي بني عليها الإعلام المطبوع، فنحن اليوم نحتاج إلى قوانين تساعد على إيصال الكفاءات والاستثمارات لتتم غربلة السوق من النماذج التي لا تليق بمعطيات الواقع الذي نعيشه ولينقذ القانون الذي يطور نفسه الصالح منها وليغرق من لم يجد تطوير نفسه والتماشي مع معطيات العصر.

القانون السادس بنطام عضوية المؤسسات الصحفية لا يسمح إلا بالأفراد المثقفين أو المهتمين بالإعلام بالعضوية ولا يسمح للشركات؟ لماذا لا تفتح العضوية لمؤسسات لديها الإمكانيات والخبرة بتغيير معطيات الحال بالمجالس... فنحن اليوم نواجه أزمة كبيرة هي سقوط الرموز الثقافية الكبيرة من الصحافة والتي كانت أقلامها تعيش من المهنة، ولكن بسبب سوء الأحوال المالية يصعب استكتابهم وبقيت الساحة للقليل من الإعلاميين والكثير من المشاهير الإعلانيين..

لمن يصطاد بالماء العكر أقول لهم، أنا هنا لا أتعمد المشاغبة ولا إثارة الجدل، ولكني بكل بساطه أثير مواضيع ملحة أجد من الضروري لفت النظر إليها..

تحياتي لصاحبة الجلالة وجزيل امتناني لها...

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@