-A +A
صالح شبرق (الشارقة)

تمكّن صغار مهرجان الشارقة القرائي للطفل من ابتكار أفلامهم القصيرة التي لا تتجاوز ثانية واحدة بإبداع وشغف، وذلك خلال ورشة عمل «مقاطع وأفلام»، استضافتها الدورة الـ11 من الحدث الذي تستمر فعالياته في مركز إكسبو الشارقة حتى 27 أبريل الجاري.

وتفاعل الأطفال في الورشة التي قدّمها الفنان السينمائي الإيطالي فيتشينزو جيوانولا، المتخصص في صناعة الأفلام المتحركة القصيرة والكارتونية، حيث قدّموا إبداعاتهم في رسم شخصياتهم المحببة من حيوانات وشخصيات خارقة ونباتات وغيرها على شريط فيلم بلاستيكي مخصص عرضه 35 ملم، ليتم بعد ذلك وضعه في جهاز خاص كما وصفه المدرب ويتم تحريك الشخصيات بسرعة فائقة لتأخذ الكاميرا تسجيلات عن هذه الحركات وتؤلفها لصناعة مقطع صغير لا يتعدى ثانية واحدة.

وأشار الإيطالي جيوانولا، إلى أن التفاعل الذي لاقته الورشة من الأطفال كبير ويعكس مدى حبهم للفنون خصوصاً الأفلام السينمائية الكارتونية، موضحاً أن كثيراً من الأطفال يتابعون بدهشة أفلامهم الكارتونية السينمائية، لكن قلة منهم يعرف كيف تتم صناعتها.

من جهة أخرى، شهد مسرح المهرجان عرضاً فنياً ضوئياً لمسرحية «العودة من المستقبل»، وهو أحد العروض المقامة على ضمن فعاليات الدورة الـ11 للمهرجان بحضور عشرات الأطفال والأسر والزائرين من مختلف الفئات العمرية.

وتدور فكرة المسرحية حول قيام مجموعة من المغامرين بمحاولة السفر عبر آلة الزمن إلى المستقبل، لكن سوء الاستعمال للآلة ذهب بهم إلى العصور الموغلة في القدم، وهو ما أدى إلى رغبتهم للرجوع إلى الحاضر الذي كانوا يعيشونه، وبعد المرور بتجارب كثيرة خلال الحقب الزمنية الماضية نجحوا في الوصول إلى المستقبل.

وتفاعل الجمهور مع الفنانين الذين أدوا أدوارهم ببراعة باستخدام تقنية «المسرح الأسود»، وهي تقنية تعتمد على اللون حتى يخيم الظلام على المسرح بحيث لا يظهر شيء من وجوه المُمثلين أو أجسادهم أو أرضية المسرح، باستثناء ما يريد الممثِّل إظهاره خلال العرض.

وتلخصت فكرة المسرحية في أهمية أن يعيش الإنسان مراحل حياته بشكل مستقر، ولا يفكر في القفز على الزمن لتحقيق طموحاته، وإنما باستخدام الزمن وسيلة للبحث والدراسة بخطوات ثابتة.

وفي سياق متصل، نظم المهرجان سلسلة من العروض التفاعلية للعزف الإيقاعي على الطبول الأفريقية، فعلى وقع هديرها العالي تتبدد الطاقة السلبية من نفوس المشاركين، ليتواصلوا مع المحيط من حولهم بطريقة ممتعة وأكثر حيوية ونشاطاً.

وتحظى هذه العروض الموسيقية الإيقاعية بتفاعل كبير بين زوار مهرجان الشارقة القرائي للطفل، ففي أجواء حماسية مفعمة بالإيجابية يساعد أعضاء فريق مدرسة ديستوديو في عملية العزف على إيقاعات الطبول الأفريقية، حيث يتم تخصيص طبل لكل مشارك يعزف من خلاله بتناغم وانسجام مع ضابطي الإيقاع، ومع فواصل إيقاعات طبول القارة السمراء، يستمتع زوار المهرجان بالمشاركة في رسم لوحات موسيقية تعكس الثراء الكبير الذي تحفل به الأدغال الأفريقية على صعيد الثقافة والفنون الإبداعية.

وخلال ندوة حوارية بعنوان «علامات مُضيئة»، أُقيمت في قاعة الفكر وأدارتها الإعلامية الإماراتية إيمان بن شيبة، أكد كلّ من الفنان المصري القدير عبدالرحمن أبو زهرة، والبحرينية هيفاء حسين، أن توجيه الأطفال نحو تبني مفردات الفنّ وتأسيس جيل مرتبط مع الثقافة بشكل كبير يحتاج إلى عمل جماعي تشترك فيه المؤسسات الرسمية مع المثقفين والمبدعين والفنانين، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن طفل اليوم ليس هو ذاته طفل الأمس، وأن بعض الأعمال التي تُقدّم الآن لا ترقى لتكون قادرة على صقل خيال ومعارف وخبرات الأجيال الجديدة.

وفي مستهل حديثه، أكد الفنان عبدالرحمن أبو زهرة الذي تتجاوز مسيرته الفنية نصف قرن من الزمن، قدّم خلالها سلسلة متنوعة من الأعمال الموجهة للأطفال التي ترسّخت في ذاكرة الجيل، أن الإعلام يملك دوراً كبيراً في تربية الأجيال، وأن الممثل يمتلك قدرة كبيرة على إيصال الرسالة والمعلومة والفكرة والقيم للأطفال، داعياً إلى الاهتمام بشكل كبير بالأعمال الموجهة للأطفال، وأن يقوم بأداء الأدوار فيها كبار الممثلين لما لها من أهمية وخطورة في آن معاً.

وتابع أبو زهرة: «في جميع أعمالي لطالما خاطبت الطفل كما هو في مجتمعه وثقافته ووعيه، وهذا ما يجب على كتاب أدب الطفل أن ينتبهوا له، وأن يخاطبوا الجيل الجديد بمجتمعه بموازنة منطقية بين القيم الأساسية وبين ما يحيط به من خيارات تكنولوجية متطورة».

من جانبها، أشارت الفنانة البحرينية هيفاء حسين، إلى أننا نعيش حالة من قلة دعم الأعمال الموجهة للأطفال، لافتة إلى أن الأجيال الجديدة تعيش واقعاً مغايراً عن الأطفال في السابق، حيث وصفت المظاهر التكنولوجية والتقنية التي تنتشر بكثافة هذه الأيام بأنها تلعب دوراً مهماً في إبعادهم عن السينما والمسرح والفن النبيل، داعية إلى مضاعفة الإنتاجات الخاصة بالطفل، وأن تُخاطب ما يريده ويفهمه.

وأضافت: «في إمارة الشارقة نلمس دعم الفن الموجه للأطفال، وما يقوده عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، من حراك يهدف إلى الاهتمام بأدب وفن الطفل، وما أصدره من توجيهات بتضمين مادة المسرح ضمن المنهج الدراسي، دليل كبير على حرصه على تأسيس الأطفال على الفن وتثقيفهم نحو تبني معارفه وجمالياته».

ويُعتبر مهرجان الشارقة القرائي للطفل واحداً من أهم الفعاليات الثقافية والمعرفية الموجهة للأطفال واليافعين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، وقد تجاوز دوره من كونه معرضاً للكتاب إلى حدث متكامل، يُسهم في إغناء معارف الزوار بالعلوم والآداب النافعة، بمشاركة نخبة من المؤسسات والجمعيات والمراكز المعنية بالأطفال.