-A +A
محمد مفتي
يزخر عالم السياسة بالكثير من المتناقضات، فهناك العديد من الساسة ممن تتلون مواقفهم وتتبدل من آن لآخر، فقد يكون أصدقاء الأمس هم أعداء اليوم، والعكس صحيح أيضاً، ومن الزعماء السياسيين المشهورين بتلك المواقف السياسية المتناقضة والمتعارضة، المهووسين بالزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي يبدو جلياً توقه لاسترداد عصر أمجاد الإمبراطورية العثمانية، والتي تمكنت لفترة من السيطرة على مقدرات وموارد جزء كبير من دول منطقتنا وتحويلها لخزانة الآستانة.

ظل أردوغان رئيساً لوزراء بلاده لأكثر من عقد من الزمن، ثم أصبح بعدها رئيساً لبلده بعد تعديله العديد من مواد الدستور لصالحه لكي يتمكن من البقاء في الحكم لفترة أطول، الأمر الذي وفر له مساحة كبيرة من المناورة مع القوى السياسية المناوئة له في الحكم في بلده، وهو يتحكم في السياسة الخارجية لتركيا على نحو شخصاني، فهو يدير الدولة بمنطق شخصي بحت، فأصدقاؤه هم أصدقاء الدولة وأعداؤه هم أعداؤها، وجميع تحالفاته وعداواته تسيطر عليها نزعاته الفردية.


من الطبيعي جداً في عالم السياسة أن يكون لكل دولة تحالفاتها وخصوماتها، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما سر التقارب بين تركيا وإيران؟ ولِم تدعم تركيا إيران على هذا النحو المشبوه على الرغم من كثرة الخصومات التي تجمع الأولى بالكثير من دول العالم شرقاً غرباً؟ فتركيا ما إن تخرج من خصومة مع دولة حتى تبدأ خصومة ثانية مع دولة أخرى، وربما الاستثناء الأوحد لذلك حالياً هو إيران، التي غدت مقربة من رئيس تركيا ومحببة إلى قلبه، وليس أدل على ذلك من رفض تركيا مؤخراً تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، في سابقة هي الأولى من نوعها يتم خلالها تصنيف جيش نظامي بأنه منظمة إرهابية، وهو ما يذكرنا بموقف تركيا عقب اندلاع المظاهرات العاصفة في إيران منذ قرابة العام والنصف تقريباً بأنها مجرد شأن إيراني داخلي لا يعني العالم من قريب أو من بعيد.

عارض أردوغان فرض العقوبات الدولية على النظام في طهران، واعتبر أن إدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية أمراً لا يدعم الاستقرار في المنطقة، وفجأة وعلى نحو غير متوقع أصبح ألد أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، فمن تحذير تركي لإيران بأن تتوقف عن العبث في المنطقة ومساندة النظام السوري فيما سبق، إلى مساندة تركية قوية للنظام في طهران على الرغم من تناقض مواقف كلتا الدولتين بشأن الأزمة السورية، مما يجعل العلاقة التركية الإيرانية في تناقض مستمر ومثير للجدل باستمرار، وأشبه بتحالف الأعدقاء!.

من المؤسف أن تقع دولة كبيرة مثل تركيا تحت سطوة زعيم أحادي التفكير، كلما ازدادت الضغوط الداخلية عليه بحث عن متنفس له في علاقاته الخارجية، وهو ما يدفعها للتحالف مع بعض الدول التي تعاديها الولايات المتحدة لسياستها الإرهابية مثل إيران، دون وجود دافع قوي أو حقيقي للتحالف معها، ويذكرني ذلك بالتقارب بين صدام والنظام الإيراني عقب غزو الكويت، فبعد ثماني سنوات من حرب ضروس صرح الرئيس صدام بأن إيران دولة صديقة.

غير أن هذه السياسة التي تشبه موجات المد والجزر غير مجدية في واقع الأمر؛ لأنها لا تقوم على أسس استراتيجية ولا تجمعها مصالح مشتركة، والأجدى بأردوغان أن يلتفت لمصالح بلده ويسعى لتحقيقها وتحقيق الرفاهية لشعبه، بدلاً من الانغماس في أنانيته والوقوع تحت سطوة حبه للزعامة واستعادة أمجاد سلاطين دولته العثمانية الغابرة، ولاسيما بعد أزماته الاقتصادية الأخيرة وهبوط قيمة عملة بلده، إضافة إلى خسارته للانتخابات البلدية في عدد من المدن التركية الكبرى، في رسالة واضحة من الشعب التركي- الذي ظهرت عليه فيما يبدو أمارات الضجر والإحباط من سياسته الفاشلة وتحالفاته غير المجدية- بأن يلتفت للداخل قليلاً، ويتوقف عن الدخول في مهاترات سياسية جديدة، لا تفيد الشعب في شيء، ولا تفيد تركيا نفسها كدولة في إحراز المزيد من التطور أو تحقق لها التنمية المنشودة.

* كاتب سعودي