-A +A
منى العتيبي
كان مشهد الشامتين على احتراق كاتدرائية نوتردام مشهداً آخر للنيران أقوى من صور اشتعال النار بالكاتدرائية أحد أهم المعالم التاريخية وأشهرها في العاصمة الفرنسية باريس والذي بلغ عمره أكثر من ٨٠٠ عام كتحفة معمارية للفن والعمارة القوطية.

المشهد بالنسبة لي أتى مؤلماً من جهتين؛ جهة الجهل بقيمة الحضارات التاريخية والثقافية للإنسانية، وجهة لأن الناس باتت تقحم توجهاتها الفكرية وتعنصراتها في المعالم الحضارية للإنسانية ولا تعي بقيمة هذه المعالم تاريخياً وحضارياً وثقافياً.


والحقيقة أن أغلب الشامتين مثلوا الاتجاه والسياق التاريخي؛ حيث اعتبروا الكدرائية رمزا لذلك، والواقع أن كاتدرائية نوتردام تجاوزت رمزها الحضاري التاريخي الثقافي الذي من أجله حزن المثقفون واحترقوا مع الحريق؛ فالكدرائية تحتفظ بمقتنيات نوتردام والمقتنيات الأثرية التي لا تقدر بثمن والمخزنة في ردهات الكاتدرائية مثل السترة والتاج اللذين لبسهما الملك لويس التاسع عندما جاء بالعرش إلى باريس، كما تحتفظ بثلاثة أجهزة أرغن موسيقية من بينها الأرغن العملاق الذي يتألف من ثمانية آلاف أنبوب وتم تركيبه عام 1401م وأعيد ترميمه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي قمة البرج يرى الزائر أحد أهم معالم الكاتدرائية وهو تماثيل الغرغول، وهو كائن خرافي جسده يعود لأكثر من حيوان وأشهر تمثال لهذه الكائنات الخرافية هو تمثال ستريكس الذي يحمل رأسه بين يديه واقفاً على قمة المبنى ينظر إلى المدينة وغيرها وغيرها من المقتنيات التاريخية التي تشكل جزءاً من ثقافة الأمة الإنسانية جمعاء والتي تقوم عليها دراسات تاريخية وحضارية وثقافية تسهم في البناء الثقافي لكافة الأمم.

إقحام الصراعات والعنصرية والسياسة في التشفي من هدم المعالم التاريخية والثقافية أيّاً كانت ولمن كان، أعدها معركة إنسانية خاسرة، فكل مَعَلم حضاري هو جزء من كيان الهوية الإنسانية على الأرض التي تشمل فكره وعلمه وقدرته العقلية التي تميزت عن بقية كائنات الأرض بالإعمار والبناء والابتكار.. فهل يدرك الشامتون ذلك؟