-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
قلتها سابقا وأقولها دوما، كانت الصعوبات كبيرة جدا، ولكن رجالات الحرس الوطني السعودي أصعب وأقوى من كل صعوبة، هذا ما أثبته تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال واللقاحات بالحرس الوطني عام 1991م ونجاحه في إنتاج أمصال فعالة بعد ست سنوات فقط من التأسيس، مع أنها أدوية تحقن وريديا ويبرز حجم الإنجاز عندما نعلم أن أدوية الحقن الوريدي من منتج بيولوجي هي أكثر الأشكال الصيدلانية تعقيدا وصعوبة فهي يجب أن تكون عالية التعقيم ولا يمكن تعقيمها بالحرارة.

عندما لا حظنا في أواخر الثمانينات الميلادية، ونحن مجموعة أكاديميين متخصصين في علم الأدوية والسموم أن الأمصال المستوردة لا تعادل سموم ثعابين وعقارب شبه الجزيرة العربية وأن الملدوغين يتوفون رغم وصولهم إلى المستشفى وإعطاء المصل المستورد في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة، عقدنا عدة اجتماعات ومؤتمرات علمية جميعها أكدت أن وقف الوفيات من عضات الثعابين ولدغات العقارب لن يتحقق إلا بإنتاج مصل محلي مستخلص من سموم الثعابين والعقارب التي تعيش في بيئة شبه الجزيرة العربية، قمنا بإعداد مشروع مقترح لإنشاء مركز أمصال وطني، وعرضنا المشروع على أكثر الجهات تضررا وهي وزارة الصحة، لكن معالي الوزير (آنذاك) فيصل الحجيلان (رحمه الله) اعتذر عن تبني المشروع لصعوبته، عندها قمت بعرض الفكرة على المغفور له بإذن الله الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله التويجري وكان آنذاك مدير التطوير الطبي بالحرس الوطني، فتبنى مشروع مركز الأمصال وعرضه على المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان آنذاك وليا للعهد ورئيسا للحرس الوطني فوافق على الفور ومنحنا كل الدعم ماديا ومعنويا.


تمكن المركز في منتصف عام 1997م من الإنتاج وهو زمن قياسي مقارنة بكون المنتج دواء حقن وريدي، وبدأت المملكة الاعتماد على المنتج عام 1998م وبدأ المركز في عام 1999م تلبية جميع احتياج الشراء الموحد لدول مجلس التعاون إلى هذا اليوم، بل غطى احتياج الأردن وصدّر لأمريكا ودول أوروبية احتياجاتها لأمصال سموم ثعابين وعقارب الجزيرة العربية لفرق التنقيب عن البترول والتدريبات العسكرية في المنطقة، وأصبح مصنعا متميزا وحيدا من نوعه في الشرق الأوسط وتمكن منذ بداية عام 2000م من إخراج المصل المستورد من المنطقة العربية، وتم خفض نسبة الوفيات من الثعابين والعقارب إلى صفر (باستثناء من لم يصل المستشفى ولم يحقن بالمصل)، ولم يسجل للمصل حتى اليوم أي آثار جانبية ولم تفشل منه تشغيلة واحدة ولله الحمد.

بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز واهتمامه حقق المركز الوطني لإنتاج الأمصال واللقاحات بوزارة الحرس الوطني نجاحا باهرا في جودة وفاعلية المنتجات ومباشرة حالات اللدغ في الطوارئ وتثقيف الأطباء وتوعية العامة، وأكد المركز الوطني، منذ 28 سنة، مقولة اليوم الخالدة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان (لدينا شعب بهمة جبل طويق)، وقد كان لي شرف تنفيذ الرغبة الملكية الكريمة بتأسيسه وإدارته منذ التأسيس وحتى أول رجب لهذا العام، حيث تقاعدت وودعت المركز وقد حقق نسبة سعودة تفوق 60% من الكيميائيين والصيادلة وسياس الخيل والفنيين وفنيي الأجهزة والإداريين وجميعهم بخبرة نادرة وهامة، إلى جانب أشقاء عرب متخصصين ومخلصين فلم تكن لدينا عقدة (الخواجة) ولم نحتج قط لخبرات غربية، بل هم من احتاج للمركز حيث أصبح مرجعية لمنظمة الصحة العالمية في مجال أمصال سموم الثعابين والعقارب، ومصدرا للأمن الدوائي في مجال الأمصال للمملكة ودول الخليج والدول المجاورة، ينتج حسب الطلب، ومن دواعي فخره أنه لبى احتياجات الحد الجنوبي فوريا عدة مرات بتعاون جميع الجهات.

لقد ودعت علما نافعا وإنجازا وطنيا شهدت ولادته كطفلي بل أعتبره أهم من أبنائي واستودعته الله ثم وطنا قدم للعالم كل عمل نافع، واستودعته الحرس الوطني الذي تبناه وتبنى منجزات عدة ثقافية وتعليمية وعلمية وصحية، وأجزم أنه سيحقق المزيد من النجاح.

* كاتب سعودي