-A +A
هاشم عبده هاشم

* كيف ستتصرف الدول التي سمحت لأطراف خارجية بالهيمنة على قرارها السياسي؟

* عودة السلام إلى سورية.. واليمن.. وليبيا.. مرهون بإخراج الأطراف الخارجية منها


* تحرك عربي واسع لترجمة قرارات قمتي القدس وتونس إلى موقف دولي حازم

* شعوب المنطقة مشتاقة إلى الاستقرار للتفرغ لبناء أوطانها وتنميتها



•• امتداداً لنجاح قمة القدس في المنطقة الشرقية من المملكة العام الماضي، جاءت قمة «العزم.. والتضامن» في تونس لتضيق الخناق على إيران وتركيا.. ومن يرتبط بهما في المنطقة.. للحيلولة دون تمددهما في الإقليم.. ومقاومتهما لكل أشكال التدخل الخارجي في شؤون دولنا وشعوبها.

•• كان هذا هو المعطى الأول لتحقيق القمة العربية الثلاثين لنجاح معقول في ظل التجاذبات القوية التي نشهدها، وكذلك في ضوء الضغوط الخارجية التي تتعرض لها المنطقة من أكثر من جهة.

•• أما المعطى الثاني، فقد تمثل في الموقف العربي القوي من الموقف الأمريكي من القدس الشرقية ومرتفعات الجولان ورفض الجميع له، معززاً بموقف دولي عام تجسد في تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي الرافضة لتلك التصرفات والمؤكدة على أنها لا تعني شيئاً.. أمام إرادة دولية تضمنتها قرارات الأمم المتحدة الصادرة في الأعوام 1948، 1967 و1973، بعروبة القدس وتبعيتها للفلسطينيين.. وعروبة الجولان كجزء من السيادة السورية الكاملة عليها..

•• ونالت تلك المعطيات.. التصميم على حل قضايا المنطقة بالطرق السلمية.. وبالذات في كل من سورية.. واليمن.. وليبيا وتصميم الجميع على إنجاز هذه العملية وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.. ومواجهة كل قوى الإرهاب والتطرف والتآمر في أقرب وقت بعد أن أدرك الجميع أنه لا مصلحة لهذه الأمة إلا في الالتفاف حول قضاياها وعدم السماح للغير بتهديد أمن وسلامة الجميع..

•• وسوف تكشف الأشهر الستة القادمة مدى جدية هذه الأمة بالتحكم في قضاياها المصيرية وتعزيز خيارات العمل العربي المشترك بسياسات صبورة.. ومدروسة.. وتقاربية للحيلولة دون مزيد من التشرذم.. وتغيير ثقافة الشعوب.

مواجهة سياسات التوسع الإسرائيلي

•• وكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطابه بالقمة: «فإن القضية الفلسطينية تظل على رأس اهتمامات المملكة حتى يحصل الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة».

•• ليس هذا فحسب، بل إنه «جدد التأكيد على رفضنا القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالسيادة السورية على الجولان».

•• ولذلك.. فإن السؤال الآن لم يعد هو: لماذا أقدم الرئيس الأمريكي ترمب على منح إسرائيل القدس.. والجولان.. وإنما السؤال هو: وماذا بعد هذين القرارين المفهومة دوافعهما؟!

•• وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، وما قد يترتب عليه أو يلحق به من قرارات أو خطوات أخرى متوقعة.. فإنه لا بد أن نسأل جميعاً عن حقيقة الموقف الروسي.. والإيراني.. والتركي، وهي الدول التي تتحكم الآن في القرار السوري بحكم وجودها الفاعل داخل سورية..

•• ثم.. كيف سيتصرفون - بعد الآن - تجاه هذا الواقع الجديد الذي فرضته ظروف الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية.. وهل سيكون هذا التصرف لصالح سورية الموحدة أرضاً.. وسيادة.. وشعباً.. أو أنه سيكون جزءا من تقاسم المصالح بينهم وبين كل من إسرائيل.. وأمريكا؟!

•• ثم.. ما هي حقيقة مواقف الدول العربية التي تتعامل مع إسرائيل سواء في العلن.. أو من وراء ستار؟ وما هو انعكاس هذا الواقع العربي المحزن على مستقبل الدول والشعوب العربية في ضوء هذا الواقع العربي المرير.. وغير المطمئنة؟!

•• والأكثر إيلاماً للنفس هو: ما هي إمكانية توحيد هذه التوجهات الأمريكية للإرادة الفلسطينية في ضوء الانقسام الحاد.. والعنيف بين حماس والسلطة الفلسطينية. وهو الانقسام الذي لا نكاد نرى في الأفق ما يدل على إمكانية معالجته.. لا سيما في ظل جميع المؤشرات الواضحة حتى الآن على أن المستقبل بات مظلماً في ظل انسداد طريق التسويات السياسية.. ووجود توجه قوي نحو تصفية القضية.. وإنهاء مشروع الدولتين.. والبدء في تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى، بصرف النظر عن القرارات الدولية المتخذة منذ عام 1948 وحتى اليوم؟!

•• هذه الأسئلة المؤلمة للنفس.. والقاسية على وجدان كل عربي ومسلم ومؤمن بحقوق الشعوب في الحياة الكريمة على أراضيها.. تحتاج إلى إجابات واضحة؛ استجلاء لمستقبل هذه الأمة.. ومصير المنطقة في المدى المنظور أو البعيد؟!

•• وبالمناسبة.. فإن تبرير «ترمب» لتوقيعه على ما أسماه بـ«وثيقة الجولان».. بأن الخطوة تتم لدرء الخطر المتأتي من إيران وجماعات مرتبطة بها لأنها تهدد باستخدام الجولان منصة لإطلاق الصواريخ على إيران.. لم ولن يكون مقبولاً لا اليوم.. ولا في المستقبل.. لأن التهديد الإيراني الحقيقي يقع على الدول العربية وليس على إسرائيل، بدليل أن إيران تفادت أي احتكاك مباشر مع إسرائيل واكتفت بإقامة المزيد من المليشيات في مختلف أنحاء الوطن العربي لتنفيذ سياساتها التوسعية في المنطقة وخارجها. وإذا كانت أمريكا جادة في كبح جماح إيران وإيقاف خطرها على دول المنطقة فإن أمامها خيارات كثيرة ليس من بينها على الإطلاق تمكين إسرائيل من السيطرة على المنطقة العربية واستغلال حالة الضعف الموجودة فيها بسبب الفرجة على ما تفعله إيران وغض الطرف عنها تحقيقاً للمزيد من الانهيار في المنطقة العربية، وتسهيل مهمة إسرائيل في تنفيذ مشروعها الأخطر ضمن أمن وسلامة دولنا وشعوبنا.

الدور الروسي المطلوب تجاه إيران وتركيا

•• وبالعودة إلى الأسئلة السابقة أقول:

إن ردود الفعل الروسية/‏‏ الإيرانية/‏‏ التركية الخجولة على الخطوتين الأمريكيتين.. تكشف لنا عن مخطط جديد متعدد الأبعاد.. فهو من جهة يكرس ويبرر وجود الدول الثلاث في المنطقة العربية بشكل عام.. وفي سورية بشكل خاص حتى الآن.. ومن جهة ثانية يكشف عن مخطط بعيد المدى للدخول في مساومات مع كل من إسرائيل وأمريكا لتوزع الأدوار في منطقتنا وعلى حساب دولنا وشعوبنا.. ولن نستغرب أن نسمع غداً ما يصيب أمتنا بالمزيد من الخذلان.. أو المزايدة على حسابها.. وبما يكرس المزيد من الانتشار الإيراني والتركي في الوطن العربي.. وليس بالاكتفاء بما يقومان به في كل من العراق وسورية واليمن حتى الآن.

•• وما يدعونا للحيرة هو أن الأصدقاء الروس لا يجهلون هذه الأطماع وتلك النوايا.. وأن قبولهم بوجودهما في بعض الأراضي العربية ما زال يتم بغطاء روسي.. رغم إدراك موسكو للخطر الذي يخبئه الطرفان لأوطاننا العربية ورغم معرفتهم بأن استفحال وجودهما لا يليق بالدولة الروسية التي ينتظر منها أن تكون مركز ثقل في عملية سلام واستقرار المنطقة.. لما في ذلك من مصالح حقيقية لها ولدولنا وشعوبنا على حد سواء.

•• وبالتأكيد.. فإن الإدارة الروسية تملك حسابات من نوع أو آخر.. وإن كنا نتمنى عليها أن تكون عامل استقرار لمنطقتنا لما يربطها بنا جميعاً من مصالح قوية.. ومحورية.. ومهمة.. وذات أبعاد إستراتيجية تفوق أي مصالح يمكن أن تحققها معهما بغض الطرف عن التمدد الإيراني/‏‏ التركي.. في المنطقة والتسبب في استمرار حالة عدم الاستقرار وتهديد مصالح الكل فيها.

•• ولدي قناعة تامة بأن هذه الأمور تُدرس وتبحث بهدوء.. لكن عنصر الوقت يظل مهماً بالنسبة لنا كعرب.. وليس من المقبول أن يظل الوجود الإيراني التركي مهدداً لأمن وسلامة الجميع.. ولا تمارس روسيا الدور المطلوب منها، سواء في السعي حثيثاً إلى تصحيح الوضع المختل داخل سورية.. أو في مواجهة الوجود الإيراني/‏‏ التركي المتزايد في بعض دول المنطقة..

•• وما ننتظره - كمراقبين - من روسيا.. هو أن نتصرف كقوة قادرة على تعزيز عنصر الاستقرار في بلداننا هي والولايات المتحدة الأمريكية المطالبة أيضاً بنفس الدور البناء.

تحكم إيراني في قرار بعض دول المنطقة وثقافة شعوبها

•• وما يؤسف له حقاً هو أن يكون لبعض دولنا العربية دور في التمكين.. ليس فقط.. لاستفحال المطامع الإيرانية والتركية في المنطقة.. وإنما في التعامل المباشر وغير المباشر مع إسرائيل أيضاً بعيداً عن الإجماع العربي.. وحتى ضد أمنها ومصالحها وسيادتها هي وعلى حساب قرارها الوطني أيضاً.. وذلك بالتمكين للدولتين من التأثير على قرارهما السيادي.. وإيجاد دولة داخل كل دولة لحساب كل منهما.. وتحويل أراضيها إلى قواعد.. وممرات سهلة لعوامل التدمير لبنى دولنا.. وتمزيق روابطنا.. واستعمار شعوبنا ثقافياً وجعلها مرتعاً للإرهاب.. والتطرف.. وإضعاف الهوية العربية.. وتمزيق أواصر الأمة..

•• يحدث هذا تحت مبررات مختلفة.. وغير مفهومة.. ولا مقبولة من شعوبهم قبل شعوب أمتنا العربية، ومن تلك المبررات: الاستعانة بهما في درء أخطار وهمية.. كما يدعي البعض.. أو بمبرر الالتزام بسياسات الحياد مع انتفائه وعدم صحته.. أو بحكم تقارب الثقافة.. وتبادل المصالح على نحو أو آخر..

•• هذه المبررات وغيرها.. هي التي حولت بعض دول المنطقة إلى تشكيلات سياسية.. ومليشيات عسكرية.. وقوى مؤثرة تفوق قدرة دولها على اتخاذ القرار وتتحكم في سياساتها الداخلية والخارجية تحكماً كلياً.. وتباعد بينها وبين محيطها العربي كثيراً.. وتثير الشكوك تجاه بعضنا البعض حتى داخل المنظومة الواحدة مما يهدد دولنا وشعوبنا بأقصى درجات الفرقة والانقسام وينهي كل شكل من أشكال العمل العربي المشترك منعاً للاختراق بشتى صوره.. وتوخياً للسلامة من كشف جميع الأوراق أمام إعداد هذه الأمة.. وتعريفياً لسلامة الجميع بما تُحمد عقباه.

•• وإذا بلغت حالة عدم الاطمئنان بين مجموعة المنظومة الواحدة هذه الدرجة فإن من الصعب الاستمرار فيها وإغماض العين عما قد يترتب على تجاهل تلك الأخطار المحلية قبل الخارجية..

•• هذه الحقيقة تعني أن هذه الأمة دخلت مرحلة من الشلل التام.. وأن أي شكل من أشكال التعاون الفعال لم يعد وارداً.. لا على المستوى الأمني.. ولا الاقتصادي.. ولا الثقافي.. أو الاجتماعي.. أو حتى الإنساني..

•• ولا أظن أن هناك مخرجاً قريباً من هذا الوضع الخطير إلا بمزيد من التعاون والتكاتف والتفاهم الجاد مع الدول التي ما تزال خارج دائرة الغزو والاختراق.. وأن على هذه الدول أن تمارس الكثير من الحذر في تعاملها مع الدول التي آثرت التعاون مع إيران وتركيا عليها ودعوتها إلى أن تعيد النظر في علاقتهما بها.. وذلك أمر لا يبدو أنه قريب لأن هناك من له مصلحة في استمرار حالة الانقسام هذه..

•• وإذا كان هناك من بديل عن هذه الدول الواقعة تحت سيطرة الدولتين الطامعتين في منطقتنا.. فإنه بالمزيد من الاقتراب من دول عربية أخرى ابتعدت لبعض الوقت عن محيطها العربي.. لأسباب مختلفة.. بعضها يرجع لسوء فهم طارئ.. أو للانشغال بأوضاع داخلية مأزومة..أو لوقوعها في حمأة التجاذب الإقليمية الحادة..

الاقتراب من الشعوب الواقعة تحت سطوة الغرباء

•• هذه الدول - ودون حاجة للتحديد لأننا نعرفها - قد تكون جاهزة الآن وأكثر من أي وقت مضى للعودة إلى محيطها العربي الضعيف إنقاذاً لها من تلك التجاذبات.. ودعماً لها على أوضاعها المتردية فيها اقتصادياً.. أو أمنياً.. وذلك بالتحرك القوي تجاهها.. وتجاوز هفوات الماضي الصغيرة.. معها.. تماماً..

•• وحتى الدول الواقعة تحت تأثير إيران وتركيا.. فإن سياسة النأي بالنفس عنها قد يجعلها لقمة سائغة أمام أطماع الدولتين.. ويضع شعوبها رهن إرادة القوى المحلية المؤثرة في قرار دولها.. وذلك يدعونا إلى التعامل مع شعوبها بتقديم العون والمؤازرة لتحسين مستويات حياتها المعيشية وتحقيق المنعة لها وتمكينها من الصمود بدلاً من تركها فريسة للدولتين.. وإلحاقها بأنظمتها المستسلمة أمام تلك الضغوط، بإيجاد دول داخل كل دولة.. والتحكم في قرارها رغم إرادتها وفوق قدرتها على الصمود..

•• وما تقوم به المملكة في لبنان، والعراق، واليمن ومع كل الدول والشعوب التي تعاني من الأطماع الإيرانية/‏‏ التركية هو نموذج للعمل العربي المطلوب والمنظم وغير الخانع رغم كلفته الباهظة وإن كان مردوده على الأمن العربي في النهاية أكبر وأعظم من كل المكاسب الأخرى..

•• ونحن ندرك أن هذه السياسات.. تحتاج إلى الكثير من التحمل والصبر والتضحيات.. وإن كلفتنا الكثير.. فهذا قدرنا.. وعلينا أن نتحمله ونستعين به لإصلاح أوضاع أمتنا المختلة.. في نهاية المطاف.

شطب القضية الفلسطينية بسبب خلافات حماس والسلطة

•• أما بالنسبة للخلاف الفلسطيني/‏‏ الفلسطيني.. فإنه فوق أنه مؤسف.. ومؤلم لنفس كل عربي.. فإنه في حالة استمراره سوف يكلف الشعب الفلسطيني الكثير عندما يخسر هويته بالكامل.. وتُطوى قضيته إلى الأبد.. وتتضرر من ورائه كافة الدول والشعوب العربية.. عندما لا يصبح هناك قضية فلسطينية ندافع عنها.. وإنما يصير هناك مصير عربي كامل مهدد بالزوال.. وهذا ما أخذ الآن يلوح بالأفق..

•• وإذا لم نتمكن من الخروج بالقضية الفلسطينية من دائرة المتاجرة والمزايدة والتكسب لحساب هذا الطرف أو ذاك.. فإن القضية الفلسطينية ستصبح في خبر كان، ويتحمل أصحابها - قبل غيرهم - مسؤولية هذا المصير المخيف الذي نتمنى ألا تصل إليه، بتغليب العقلاء من أبناء فلسطين لمنطق العقل وأمانة المسؤولية التي يجب أن يتحملوها - بنزاهة - تجاه شعبهم الذي ظُلم كثيراً من أعدائه، ولا يجب أن يُخذل في هذا الوقت من أبنائه.

•• ومن الخير لهم ولقضيتهم التي هي قضيتنا جميعاً أن ينتصروا لمصيرهم المشترك المهدد بالزوال نتيجة استشراء الخلافات في الجسد الفلسطيني كله بفعل الانقسام الحاد بين حماس ومنظمة التحرير جراء تدخلات إيران وقطر وتركيا فيها.. وهي تدخلات أدت وسوف تؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية.. وزيادة معدلات التوتر في المنطقة وإضعاف الكل.. وهو ما يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل.. ويحقق مشروعها الكبير في منطقتنا.. ويكرس سياسات اليمين المتطرف سواء في داخل إسرائيل أو في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول والمجتمعات التي تنتظر اللحظة المواتية للانقضاض علينا جميعاً.. وتحطيم جماجمنا ونحن نتصارع فيما بيننا.. ونهيئ كل الأسباب لأعدائنا للانقضاض علينا.

أطماع إسرائيل تتجاوز فلسطين وسورية

•• وفي ضوء هذه الحقائق المؤلمة.. فإن المستقبل يبدو مقلقاً ليست فقط بالنسبة للفلسطينيين فحسب، وإنما بالنسبة لكافة الدول العربية التي يشملها المخطط الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل من المحيط إلى الخليج..

•• وإذا استمرت الخلافات الفلسطينية/‏‏ الفلسطينية، والعربية/‏‏ العربية، فإن الكثير من الأراضي العربية مهددة بنفس المصير الذي أعلن عنه الرئيس ترمب حتى الآن، بصرف النظر عن المواقف الدولية والعربية الرافضة لتلك الإجراءات الظالمة منذ قرار التقسيم (242) عام 1984 وحتى اليوم.

•• وعلينا أن نعترف بأن الوضع بات خطيراً جداً وأن الخروج منه أصبح صعباً.. ما لم تحدث معجزة تاريخية غير مسبوقة.. وبالذات في ظل عجز المنظمات العربية القائمة شكلاً حتى الآن عن العمل خارج دائرة التأثير وضعف قدرتها على التحرك بقوة لإصلاح الأوضاع المتدهورة للمجموعة العربية.. وعدم توفر الحد الأدنى من الأفق المفتوح لإمكانية التوصل إلى تسويات للمشكلات البينية وتعزيز الصف العربي من جديد.. وتحسين بيئة العمل المشترك..

•• وليس هناك من مخرج حقيقي من هذا الوضع المأزوم إلا بقيام تحالفات عربية قوية - كما أسلفت - لإنقاذ الموقف وإخراج القوى الإقليمية أو الخارجية من المنطقة وفي مقدمتها إيران وتركيا.. والدخول في تفاهمات رفيعة المستوى مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لوضع حد للتجاذبات الشديدة بينهما في منطقة الشرق الأوسط.

• ومن المؤكد أن البداية الطبيعية لهذا التحول المرجو وإعادة رسم السياسات والمواقف تجاه المنطقة.. هو بتسوية الأوضاع الحالية المضطربة في كل من سورية.. واليمن وتحسين فرص العمل على تهيئة الأرضية المناسبة لتصحيح الأوضاع في لبنان والعراق بما يكفل سيادة الدولتين والشعبين على أراضيهما وتعزيز قدرتهما على اتخاذ قراراتهما السيادية من موقع قوة.. بالإضافة إلى أهمية التوصل إلى تسوية مقبولة من جميع الأطراف الليبية لإعادة الحياة الطبيعية إليها.. وتخليص الصومال العزيز من بؤر التشدد والإرهاب وتحقيق الاستقرار فيه بمزيد من الالتفات إليه.. وتهدئة الأوضاع في كل من الجزائر والسودان.. وعدم السماح بقيام مناطق توتر جديدة في المنطقة..

•• كل ذلك ممكن حدوثه - بكل صراحة - إذا تمكنت الدول العربية المستقرة من احتواء هذه الأوضاع بالتعاون مع واشنطن وموسكو وبكين مجتمعة.. وهي قادرة على تحقيق تقدم كبير في الاتجاه الذي يُعيد الاستقرار لمنطقتنا.. ويضع حداً لأي تدخلات خارجية في الشؤون العربية..

•• وإلا.. فإن الأمل ضعيف.. في أن تهنأ منطقتنا بما نرجوه لها من استقرار.. وهو ما لا نتمناه.. ولا نريده.. ولا يجب أن تسمح به دولنا وشعوبنا..

•• وليس سراً أن أقول.. إن المملكة العربية السعودية بالتعاون مع أشقائها في مصر العربية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة الأردنية.. ودولة الكويت وغيرها من الدول العربية المستقرة الأخرى، قادرة على وضع حد للأخطار المتربصة بمنطقتنا بدءا بالعمل على إعادة اللحمة العربية الكاملة بين دولنا وشعوبنا.. وعودة الوفاق بين الجميع، وتوظيف مصالح الدول الكبرى في دولنا لصالح حملة إعادة الاستقرار بالمنطقة وإغلاق جميع الأبواب على الأطراف المستفيدة من تشرذمنا..

•• وهناك مؤشرات إيجابية عديدة في هذا الاتجاه تجعلنا لا نفقد الأمل في عودة الوفاق العربي إلى سابق عهده بعد أن فتحت بعض القنوات المغلقة.. وأزيلت بعض مظاهر الضباب التي خيَّمت على أجواء بعض العواصم العربية وأخذت الاتصالات الأخوية تأخذ مجراها الطبيعي لمعالجة أخطاء الماضي وعدم السماح للقوى الغربية أو الطامحة في الدخول إلى منطقتنا.. وتحويل بلداننا إلى قواعد وممرات تقود إلى سيطرتها على بلداننا وهيمنتها على منافذنا البحرية.. وممراتنا الجوية على حساب أمننا.. وسلامتنا.. واستقرار منطقتنا.. وحقوق شعوبنا..

•• والمملكة وهي تسير نحو المستقبل الذي رسمته بعناية حريصة على أن يتحقق الاستقرار في المنطقة لكي تتواصل خطواتها العملية في مشروعها الجديد لصنع التقدم والرخاء ونقل البوصلة إلينا بعد أن ظلت بعيدة عن منطقتنا.. لفترة طويلة من الزمن بفعل الأطماع والمؤامرات التي كانت تحيط بنا من كل جانب ونحن اليوم في مرحلة فاصلة هي «أن نكون.. أو لا نكون».