-A +A
أحمد عجب
تقول الحكاية: في إحدى القرى الهندية النائية كانت هناك امرأة شابة مستاءة من زوجها، لهذا انطلقت تشكوه لشيخ القرية، فقال لها: يجب أن تنزعي بنفسك شعرات من ذئب حي ثم ائتيني بها لأستطيع تليين قلب زوجك، هنا فكرت المرأة كيف يمكنها فعل ذلك فقد يلتهمها، لكنها ذهبت للبراري ورأت هناك ذئباً يجر ماعزاً وينطلق بها للغار، فراحت تراقبه حتى رأت جراءه يرضعون من أمهم، وفي اليوم التالي أخذت المرأة قِدراً من اللحم ووضعته بطريق الذئب، فأكل قسما وحمل الباقي لجرائه، فأصبحت تفعل ذلك كل يوم، حتى اطمأن الذئب لها فراحت تتقرب منه، وذات يوم وهي تمسح على رؤوس الجراء نزعت بلطف عدة شعرات وذهبت بها لشيخ القرية!

طبعاً اندهش الشيخ وقال: كيف فعلت ذلك؟! فقصت عليه مغامرتها وكيف توددت للذئب حتى أصبح يطمئن لها فلا يؤذيها، هنا التفت الشيخ الحكيم وقال لها: يا ابنتي، لقد استطعت ترويض حيوان كاسر أفلا تستطيعين ترويض زوجك!


أنا هنا لم أورد هذه الحكاية التراثية لأنكر على الزوجة المقهورة بث شكواها، لكنني في الحقيقة بدأت ألاحظ أن المرأة في مجتمعنا تحولت إلى (دعوجية) و(مبتزة) بدرجة غريبة، على أقل خلاف عائلي تصرخ في وجه زوجها وتهدده (والله لأشتكيك بالمحكمة)، حتى المذياع الذي ندير موجاته بحثاً عن الحكم المفيدة، استمعت فيه لمذيعتين تقترحان سن إجازة سنوية للزوجة من الأعمال المنزلية، وطبعاً الزوج هو الذي سيكون البديل لها، يعني يخلي أشغاله المهمة ويجلس يرضع الطفل ويجلي البلاط ويورق الملوخية، حتى طلبات المشورة بهاتفي صارت هي الأخرى غريبة، حيث استقبلت بالأمس استفسار زوج عن دعوى ثالثة تسلمها من طليقته باسم (أجرة حضانة)!

لقد كنت من أكثر المطالبين بحقوق المرأة عندما كنت أراها مظلومة، لكن الأمانة تقتضي اليوم أن أطالب بحقوق الرجل المهدرة، ذلك العصامي الذي يذهب لعمله من الفجرية، يواجه الديون وعدم الترقية والغلاء وانعدام الأمان الوظيفي، وحين يعود لمنزله بحثاً عن الراحة، يجد تلك الزوجة المتسلطة مثل (الفقمة) نائمة على الكنبة، لتسل لسانها الطويل عليه بداية بطلب وحيد نسيه، مروراً بتذكيره بالنزوة التي ارتكبها منذ أعوام، وانتهاءً بصرخة مدوية وبكاء هستيري قبل أن تلعن حظها وتصك الباب بكل قوة!

المشكلة ليست فقط بالظروف الاقتصادية، ولا بطبيعة الرجل القاسية، ولا حتى بلغة الحوار الغائبة، المشكلة يا سادة في انعدام الحكمة، فكل من تشتكي إليهم الزوجة يقولون لها (روحي اشتكيه بالمحكمة) ولو أن أحداً تقمص دور الحكيم الهندي وشار عليها بأن تصنع له الطعام الذي يشتهيه (كبسة لحم) أول ما يرجع من عمله، وفوقها ابتسامة وغمزة وكلمة طيبة، لروّضت الذئب المفترس الذي بداخله، لهذا (رفقاً بالرجاجيل) يا سيدات هذا العصر فقد أصبحوا من قضاياكن الأسرية التي لا تنتهي أسهل كسراً من القوارير.