-A +A
أريج الجهني
تجاوز عدد الجامعات في بريطانيا وفق موقع التايمز الرسمي الثماني والتسعين جامعة، موزعة بين اسكتلندا وانجلترا وويلز، بجانب قوة النظام التعليمي في هذه الدولة فإن هناك أسبابا رئيسية تجعل التركيز على التعليم العالي رافدا اقتصاديا مباشرا للدولة، عندما أتحدث هنا عن المدن الجامعية فأنا بالتأكيد لا أعني المدن الجامعية التي تقبع خلف أسوار عالية لا تدخلها إلا بالبطاقات والتصاريح، ولا بتلك المدن الأسمنتية الجامدة التي لا تخدم الأحياء وتنغلق أبوابها كي لا تفر منها الطالبات ولا يخرجن إلا بالبطاقات، أتحدث عن المدن تلك البقع الجغرافية التي لم نحسن بناءها.

مدينة ريدنق التي أكمل بها الآن عامي الخامس والأخير كطالبة مبتعثة، صغيرة المساحة لكن مكتملة الخدمات، فأنا لا أحتاج الذهاب إلى لندن التي لا أستهويها على الإطلاق ولا أضطر للمرور بها، فمطار هيثرو يبعد عن باب منزلي ثلاثين دقيقة فقط، إنها مدينة جميلة وهادئة قام اقتصادها وتمحورت أنشطتها حول أسوار جامعتها العريقة التي تأسست في عام 1892 وهي من أقوى الجامعات البحثية وتحتل مراكز متقدمة سواء في بريطانيا أو عالميا، جامعة ريدنق لا أسوار مغلقة لها بل لديها مجرد بوابات مفتوحة طوال العالم للدخول للحرم الجامعي وساحات خضراء ممتدة ينتصفها علمها الأحمر.


إن أول انطباع يصلك حينما تزور هذه المدينة، أنها جامعة ممتدة فالباصات المخصصة للجامعة تنطلق في كل مكان مزينة بشعار الجامعة ورحلات لا تتوقف فعليا في كل عشر دقائق ستجد باصا قادما متجها للجامعة في كل مكان تذهب إليه، فعليا «كل الطرق تؤدي إلى الجامعة»، ليس هذا فحسب فأنت تشعر بالفخر والتقدير بل الامتياز فور أن تشهر بطاقتك الجامعية لتنهال عليك التخفيضات المجزية ولتتمتع بالمواصلات بسعر مخفض بل حتى المطاعم تدعم الطلبة لأنها كما أخبرتكم «مدينة جامعية بالمعنى الإنساني».

هكذا تشعر أن كل شيء مسخر لك كطالب، حتى المستوصف الخاص بالجامعة وهو الأفضل فعليا، كل هذا وأنا أتجول الآن بعين المغادر يشعرني بالاحترام المطلق لهذه السياسات التعليمية والعقول العظيمة التي تقف خلف هذه الحالة التعليمية التي تراها في أغلب المدن البريطانية، ولا أنسى العمادات والوحدات المساندة والقوانين التي تجعل أي طالب أجنبي محل تقدير ودعم خاصة في حال تعرضه لأي نوع من التعدي أو العنصرية، هم لا يتساهلون على الإطلاق في حفظ حقوق الطلبة ولا يدخرون أي جهد لرعايتهم.

الجامعات هنا تفتح أسوارها وتمنح حتى التصاريح لإقامة التجمعات الثقافية بل تدعمها ماليا ومعنويا، هل نحن قادرون؟ نعم بالتأكيد، ولدينا جامعات فعلا متميزة لكن الذي أريده اليوم أن أطرح أسبابا قد تساهم في تمكين بناء «مدن جامعية على الطريقة البريطانية»، ولعل أهمها أن نغير النظرة لمفهوم المدن الجامعية وأن نضع خطة لتمكين سبع مدن بشكل تدريجي حتى نصل لمئة مدينة من خلال برنامج تخصصي «المدن السعودية الجامعية».

مشروع «المدن الجامعية السعودية»، يستهدف أنسنة المدن بالتوازي مع أهداف التعليم العالي، وأيضا فتح القبول للطلبة الأجانب بمقابل مادي لرفع ميزانيات الجامعات، لو بدأنا بالتنفيذ التدريجي لسبع جامعات في عدة مناطق، وتم نقل النموذج البريطاني مع ما يتوافق مع مجتمعنا، ستكون نقلة اقتصادية للتعليم والمجتمع، بعض المدن البعيدة عن المراكز تعاني من شح الوظائف وركود في الحركة الاقتصادية، تفعيل نظام المدن الجامعية سيخلق العديد من الفرص الوظيفية وينعش المدن ولكن من المهم أن يكون هناك تسهيلات للخدمات، بل تغيير في نظام الفيز والسكن ونحوه.

ما زلت أحمل معي هذا الحلم في كل مرة أرى فيها الطلبة الدوليين من حولي، أن تصبح الجامعات السعودية وجهة للطلبة من كل مكان، فعليا نحن لا ينقصنا طاقات ولا كفاءات خاصة وأن عدد الجامعيين لدينا عال جدا، لكن الذي ينقصنا وبكل شفافية أن نؤمن بأنفسنا وألا نجعل اليأس والمشاكل البيروقراطية تقف عائقا أمام تحقيق هذه النهضة التعليمية، ورسالة أخيرة لكل مسؤول أو مهتم بالشأن التعليمي إن كنت تظن بأن صناعة الاقتصاد التعليمي معجزة فرجاء دع الأمر للشجعان وصناع التغيير وترجل، لا وقت للمجاملات.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com