-A +A
نجيب يماني
كتب الزميل عبده خال في أشواكه بعنوان (كيف يمكن زحزحة مفهوم الولاية) تعليقاً على برنامج الأبواب المغلقة للشيخ صالح المغامسي، الذي أغلق المنافذ على سائلة تبلغ من العمر (40) عاماً، وهي على قطيعة مع إخوتها غير الأشقاء وتريد منفذاً شرعياً يعفيها من العنت الذي تجده في حياتها، وبما أن الشيخ المغامسي أغلق المنافذ عليها فإن الفقه بسعته قد فتحه للسائلة وغيرها. فطالما أن المرأة أصبحت في محل التكليف فلها الحق في مزاولة أمورها الحياتية مثلها مثل الرجل مؤكداً الحق سبحانه وتعالى بأن للمرأة الولاية الكاملة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، فهذه الولاية التي أقرها الشارع الكريم تشمل أموراً كثيرة في الحياة، فبجانب البيع والشراء والإجارة فلها أيضاً أن تكون قاضية ومفتية ومستشارة وكافة الوظائف الهامة، وكذلك محامية تباشر بنفسها كافة القضايا بما فيها الحدود والقصاص، بل ودرجات القضاء مطلقاً وقد توسع بعض الفقهاء وقال إنه يجوز أن تلي الحكم أيضاً. أما من ناحية نكاحها الذي يراد في أصله للرغبة فلا تجبر على من لا ترغب فيه، فإن امتنع الولي المجبر بتزويج من عينته المرأة فهو عاضل وسقطت ولايته ويفسق إن تكرر عضله لها. الإمام أبو حنيفة فتح للمرأة باباً واسعاً فقد أجاز للمرأة أن تعقد بنفسها على من رغبت دون ولي، كحق من حقوقها في أن تختار من ترغب العيش معه في بيت واحد، وأن تباشر العقد بنفسها، وقول أبي حنيفة له أساس في قرآننا العظيم الذي هو دستورنا ودليلنا في هذه الحياة، يقول الحق سبحانه وتعالى (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)، وهي آية صريحة في نهي الولي عن الامتناع عن تزويج موليته بالكف إذا رغبت فيه، وأرجع الحق سبحانه وتعالى (إرادة عقد النكاح) إلى المرأة نفسها بنص الآية وبقوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) نسب الحق سبحانه وتعالى أيضاً مباشرة العقد إلى المرأة نفسها، وليس هنا ذكر لوليها، ولو كان للولي مكان لذكرت ولايته في سياق الآية، فلا يجوز في شرع الله تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما أن القواعد الأصولية تنص على أن مطلق القرآن لا يخصص بخبر الأحاد. يقول نبي الرحمة (الأيم أحق بنفسها من وليها) والأيم المرأة التي لا زوج لها بكر أم ثيب، تأكيداً لهذا فقد أبطل رسول الله نكاحاً عقده الأب دون رضا ابنته ثم جعل أمرها إليها، ورد في مصنف أبي شيبه أن رجلاً زوّج ابنته وقال لرسول الله لم أرَ لها خيراً منه، فقال لها الرسول لا نكاح لك اذهبي فانكحي من شئت، وقالت امرأة لرسول الله إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته فجعل الأمر لها، فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر من شيء، ولقد اشترط المشرع إذن المرأة عند زواجها، وفي هذا معاني صحة العقد إذا باشرته المرأة بنفسها. وبما أن لها مطلق الحرية في التصرف بمالها ومزاولة تجارتها فمن باب أولى لها حق التصرف في نفسها وجسدها وبما أن (البضع) حقها دون وليها بهذا يكون بذلة لها فتتصرف في خالص حقها كيف شاءت فجاز لها ذلك، ولأنها تملك الإقرار بالنكاح فتملك الإنشاء أيضاً. إن الولاية في الزواج محل اختلاف بين المذاهب وهل هي شرط في صحة عقد النكاح؟ فقال الشافعي وأبوحنيفة وزفر والشيعي والزهري إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤاً جاز ذلك، وقال مالك اشتراط الولي سنّة، وهي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلاً عن أن يكون في ذلك نص بل إن الآيات والسنن التي جرت العادة الاحتجاج بها عند من يشترطها محتملة، وقد أكد ابن قدامة العالم الحنبلي في (مُغنيه) أن المرأة لها أن تزوج نفسها وتزوج غيرها بالوكالة وللشوكاني في فتح القدير، قال أبوحنفية تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها، بل وينعقد نكاح الحرة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها بولي، أما سفرها بمحرم فقد انتفى هذا المحرم التي انقضت الظروف الزمانية والمكانية التي كانت سائدة في ذلك الوقت وأصبحت وسائل السفر وطرقه آمنة كما أن هناك الرفقة الصالحة تجدها المرأة في تنقلاتها وسفرها، فهي لا تحتاج إلى من يساعدها ويركبها الدابة ويحرسها عند قضاء حاجتها، وبالتالي فمن حقها أن تحصل على جواز سفرها. إن الشريعة الإسلامية سلسلة لينة تستجيب لمتطلبات الحياة وحركة العصر بما يناسب الحاجة ويطابق المصلحة، تتماشى مع حركة البيئة والمحيط والزمان والمكان. فلا يوجد حكم شرعي في غير العبادات إلا وهو للتبديل والتغير قابل، كما أنها في معظمها معللة فيجوز أن تتغير بتغير العلة وجوداً وعدماً وبحسب اقتضاء الحالة زماناً ومكاناً، فلها الحق أن تزوج نفسها وتسافر لوحدها، وتستخرج جواز سفرها وتعمل وتعيل أسرتها وترتقي المناصب، وتكون لها في بعض الحالات القوامة، فمهما ضيقنا من هذه الأبواب فالفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة والمستمدة من شرع الله قادر على إيجاد الحلول وفتح الأبواب وحفظ كرامة الإنسان.

* كاتب سعودي


nyamanie@hotmail.com