-A +A
محمد الساعد
هل تستحق الجولان هذه الأهمية والضجة الكبرى، وهل ستكون هضبة الجولان مفتاح الحل للقضية الفلسطينية. يبدو أنه لا شك في ذلك. فالموقع الإستراتيجي وتقاطعها الجغرافي مع أربع دول - سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل- دفعت بالجولان إلى سقف قضايا المنطقة ومفتاحها المنشود.

السؤال الأهم: ماذا لو أن «الدروز» أصحاب أراضي الجولان وسكانها الأصليين قاموا بالمطالبة بالاستقلال عن دمشق أو الانضمام لإسرائيل مع ظروف سوريا والصراع الدامي المستمر من تسع سنوات وخطر تفككها المتوقع، إضافة إلى العلاقة الوطيدة بينهم وبين إسرائيل.


يشكل الدروز ما يقارب 10% من عدد سكان دولة إسرائيل، وينتمي عشرات الآلاف منهم إلى حركات «درزية صهيونية» تتبنى الخطاب والرؤية الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل، أما الوجود الدرزي في الخدمة العسكرية الإسرائيلية فهو قديم ويعد الأكثف بين المكونات العرقية حيث يصل عددهم إلى عشرات الآلاف يتلوهم الفلسطينيون.

ربما يكون للخلفية السابقة تأثير واضح في مستقبل الجولان خاصة بعد دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بحق إسرائيل في الجولان، والمؤكد أن المشهد سيختلف تماما لو أتيح للدروز الاستفتاء على انضمامهم لإسرائيل أو الاستقلال عن سوريا.

دعونا نذكر بما حصل خلال المفاوضات السابقة بين السوريين والإسرائيليين المنعقدة بداية التسعينات الميلادية، فقد وصلت لمرحلة يمكن تسميتها بانتصار سوري ساحق تسترد فيها الجولان المحتل، حتى أن التفاوض وصل إلى حد مناقشة فتح السفارات بين البلدين، إلا أن تفاصيل اللحظات الأخيرة على 300 متر فقط قلبت المشهد وعطلت الاتفاق نتيجة لقصر نظر المفاوضين السوريين الذين أضاعوا الجولان في التفاوض كما أضاعوها حربا قبل ذلك بعشرين عاما.

تقول المصادر إنه وبعد انتهاء حرب الخليج وتحديدا في العام 1991 بدأت مفاوضات السلام في مدريد بين العرب والإسرائيليين، ومثل «مجلس التعاون «دوله الخليجية الست، بينما مثلت الجامعة العربية بقية الدول العربية، إضافة إلى مشاركة من حكومات الأردن، سوريا، لبنان، فلسطين، مصر ذات الصراع المباشر مع إسرائيل.

خلال تلك المباحثات اتفق الإسرائيليون والسوريون على إعادة الجولان وكل الأراضي السورية المحتلة إلا أن خلافا ظهر في اللحظات الأخيرة أعاق الاتفاق بسبب مياه بحيرة طبريا تحديدا، إذ إن الظروف المناخية وعوامل التبخر طوال عقدين من الاحتلال أدت إلى انخفاض مياه البحيرة إلى 300 متر انحسرت فيها المياه ما أدى إلى انكشاف الأراضي، السوريون طالبوا بأن تصل حدودهم للمياه بوضعها الجديد والإسرائيليون أصروا على حدود المياه إلى ما قبل التبخر، المفاجئ أن فريقي التفاوض كانا قد وصلا إلى اتفاقات مهمة اقتصادية وسياسية وترتيبات أمنية قبلها السوريون جميعها، كان منها وضع بالونات مراقبة تحمل كاميرات دائمة في كل الجولان لرصد أي تحركات عسكرية محتملة، كذلك منع وجود أي سلاح ثقيل كالدبابات والمدفعية والطائرات الهجومية من الحدود السورية الإسرائيلية دخولا إلى سوريا مسافة 80 كلم ما يصل إلى دمشق نفسها، إضافة إلى تبادل دبلوماسي كامل وتدشين سفارات في دمشق وتل أبيب، وكذلك نزع سلاح مليشيات حزب الله وإنهاء دوره بالكامل في لبنان.

ومع كل تلك التنازلات السورية لتل أبيب فإن مكنة إعلام عرب الشمال ومطلقات القضية الفلسطينية ومجندات ومجندي جيش لحد في قناة الجزيرة، يحمّلون السعودية ضياع الجولان، إن التاريخ لن ينسى أن عرب الشمال هم من أضاعوا أراضيهم حربا وسلاما، ولن ينسى أيضا أن الرياض هي من أرسلت أبناءها للقتال دفاعا عن الجولان في حرب 67 ولا تزال دماء السعوديين شاهدة على ذلك.

اليوم تتسيد الجولان صدارة المشهد السياسي إثر تغيرات عميقة في مفاتيح الحل الإستراتيجي في المنطقة، سببها الرئيسي هدم الدولة الوطنية في سوريا ومصر وليبيا على يد ما يسمى «الخريف العربي»، وانطفاء القوة العسكرية العربية في العراق وسوريا، ولأن معادلة الحل بين الإسرائيليين والفلسطينيين تقف على تفاصيل أمتار صغيرة وتداخل سكاني، فإن الجولان قد تكون حلا بديلا لتبادل الأراضي ولفك الاشتباك والاختناق الجغرافي، إنه تفكيك نظري لحالة الاشتباك المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فهل يتحول إلى واقع قريب.

* كاتب سعودي