-A +A
أريج الجهني
في زيارة خاطفة لمتحف بيكاسو في مدينة برشلونة توقفت كثيراً أمام فكرة تحويل الثقافة والأعمال الثقافية لرافد اقتصادي ومصدر للدخل، شخصياً لن أعول على أي مشاريع ثقافية طالما أن ما يصرف عليها أعلى مما تعود علينا به مادياً، ولا أعني هنا الفعل الثقافي بذاته لكن أتحدث عن المشاريع والبرامج.

التحول الجاد في أي مظهر اجتماعي يعني أن ننتقل من دائرة الإحساس والمشاعر إلى دائرة الإنجاز والمنتج الملموس، مثلاً لتدخل معرض بيكاسو الذي يشمل أكثر من 20 صالة عرض مصغرة تشمل معظم لوحاته ومسودات أعماله فأنت تحتاج أن تدفع تذكرة تبدأ من 28 ريالا إن كنت طالبا حتى تصل إلى 100، المتحف يستحق الزيارة، والمدهش كيف يحتفي الأوروبيون دائماً بالفن وأهله.


طوال جولتي كانت الفنانة السعودية «تغريد البقشي» ولوحاتها الفريدة حاضرة في ذهني، شخصياً سأدفع تذكرة في كل سنة لدخول أي معرض فني لها، بل تمنيت أن يكون لها معارض ثابتة بإشراف حكومي واعتبارها رافدا اقتصاديا جديرا بالاستثمار.

لوحات تغريد البقشي تحكي تاريخا وقصصا وترسم «حياة المرأة» بألوان ورؤية فنية عبقرية توازي كبار الفن وعمالقته، لنا الحق أن نفتخر بها وبكل الفنانين السعوديين العباقرة، وأيضا من المهم أن نبدأ بالتفكير بالتحول الجاد من اعتبار الفن والثقافة رفاهية إلى اعتبارهم مصادر دخل وطنية، وأيضا لنحفظ حقوقهم الأدبية من الضياع نحتاج للتعامل الجاد مع الفن والحقوق الفكرية ولن يحدث هذا إلا إذا أدرك الناس القيمة المادية لهذه الأعمال وطبقت اللوائح على منتهكيها.

المجتمع السعودي مليء بالطاقات والعالم قد لا يفهم لغتنا لكن بالتأكيد سيفهم لغة الفن، لا أستطيع الانتظار حتى نصل لهذه اللحظة بل حتى الإعلام المرئي يستحق التفاتة جادة ودعما للطاقات الشابة، فكرة المتاحف والأفلام ليست فقط لصناعة صورة ذهنية أو إثبات حضور، هي قيمة وتاريخ وصناعة مستقبل بألوان سعودية.

عذوبة الفن تشبه بداية الحب تخطف أنفاسك وتحمل قدميك من الأرض، وتأخذ عقلك في رحلة عبر الزمن وقد تعيدك للواقع أو تبقيك عالقاً في الصورة، والفن كالحب في تهذيبه للنفس والارتقاء بها صعوداً نحو قمة الذات وسقوط ما دونها، ولا أجمل من أن تصبح السعودية وجهة سياحية لعشاق الفن ومريديه.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com