-A +A
عبداللطيف الضويحي
أصدقكم القول بأنني أتابع نشرات الأخبار التلفزيونية منذ زمن بعيد اهتماما ومتابعة لمجريات الأحداث المحلية والعربية والدولية وتداعياتها، لكن ما أذهلني في الأشهر الأخيرة من خلال متابعاتي للمسألة الفنزويلية والأزمة السودانية والحراك الجزائري وحادثة نيوزيلاند هو الغياب الصفري للخبراء السعوديين الباحثين والمطلعين والمتابعين والمهتمين بشؤون كل بلد من البلدان المهمة في العالم والقارات والتكتلات الاقتصادية والعسكرية والسياسية في العالم.

هناك مئات الطلبة والطالبات الذين يتخرجون في قسم العلوم السياسية والإعلام والاقتصاد والتجارة ثم ينتهي بهم المطاف بعد التخرج موظفين حكوميين متكلسين. هل هذا هو الهدف؟ هل هذا ما يطمح له الطالب وهل هذا ما يحقق طموح الدولة؟ أليس هذا هدرا للموارد البشرية؟ أليس هذا إضاعة فرصة ثمينة على الطالب والدولة من خلال تخريج مئات النسخ المكررة بعضها من بعض، دون عدسات خاصة لكل من يريد أن يبني معرفة وخبرة واهتماما خاصا في الشؤون الروسية أو الشؤون العربية أو الشؤون اللاتينية أو الشؤون الأفريقية أو شؤون الاتحاد الأوروبي أو شؤون نمور آسيا والصين.


هناك فجوة كبيرة بين وزارة الخارجية والجامعات فيما يتعلق بخريجي العلوم السياسية والإعلام والاقتصاد والتجارة تسببت بغياب خبراء العلاقات الدولية. مطلوب من الخارجية أن تتقدم خطوة باتجاه الجامعات ومطلوب من الجامعات أن تتقدم خطوة مماثلة باتجاه الخارجية لتحويل هذه الكتلة من الموظفين إلى مئات الخبراء. لا أعرف أيهما يبدأ هذه الخطوة الحيوية، فكلاهما يقف عند حدوده الروتينية التقليدية.

المطلوب أن تمول وزارة الخارجية برنامجا لطلاب العلوم السياسية والاقتصاد والإعلام والتجارة الدولية بالاتفاق مع جامعات المملكة أو بعضها. قد يمتد هذا البرنامج لأكثر من أربع سنوات. ويهدف البرنامج إلى أن يختار الطالب التركيز في مجال محدد من مجالات الشؤون الدولية السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية سواء كان هذا التركيز على بلد بعينه أو على مجموعة بلدان تربطهم الجغرافيا أو اللغة والثقافة أو الأحلاف العسكرية والتكتلات السياسية والاقتصادية. بعدها على الطالب أن يدرس لغة هذا البلد أو البلدان التي ستكون محور اهتمامه وتركيزه خلال دراسته البرنامج.

على أن يشمل البرنامج زيارة الطلاب للبلدان التي اختاروها من حين لآخر ودراسة لغتها والتعرف عن قرب على شعبها والإلمام بدساتيرها وأنظمتها واقتصاداتها وأحزابها السياسية وإعلامها ومجتمعها المدني والتحديات التي تواجهها وحضور المؤتمرات والندوات التي تعقدها تلك البلدان ودراسة علاقات تلك البلد أو البلدان مع المملكة وسبل تطوير تلك العلاقات في كافة المجالات. على أن تكون كافة الأبحاث والأوراق العلمية التي يتطلبها البرنامج من الطالب طوال مدة دراسته في هذا المجال وهذا التركيز.

المجال الطبيعي لعمل هذا الطالب بعد أن ينهي الدراسة هو خبير في وزارة الخارجية أو مراكز الدراسات، هذا الطالب إذا استمر في تطوير خبرته وتوثيق علاقاته مع فعاليات وشخصيات تلك البلدان، يصبح مرجعا وخبيرا يساعد السفارات السعودية في تلك البلدان ومرجعا لصانع القرار السياسي والقرار الاقتصادي مع تلك البلدان، فالسفارات السعودية في الوقت الحالي تفتقر إلى خبراء في تلك البلدان ولا تواكب احتياجات المملكة مع رؤية 2030، وذا الطالب بعد أن ينهي دراسته، سيكون خبيرا ومرجعا لوسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية بالتحليلات والنقد والتعليق الموضوعي والدقيق للأحداث في تلك الدول. فمن يتابع نشرات الأخبار على التلفزيونات العربية والعالمية يلحظ غياب الخبير السعودي المتمكن الذي يملك الخبرة والثقافة والمعرفة واللغة الاحترافية. فكلنا يعرف أهمية الخبير في صناعة الرأي العام المحلي والعالمي.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org