-A +A
هاني الظاهري
الهجوم الإرهابي الذي راح ضحيته عشرات المسلمين في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا (الجمعة) ليس جريمة بحق المسلمين فقط، بل هو عمل إجرامي شنيع بحق الإنسانية جمعاء، ومدان بلا شك من كافة الأديان والأعراف والمواثيق الدولية، لكنه مع ذلك ليس الأول من نوعه، فالإرهاب لا دين له ولا وطن، وسبق أن ضرب الكثير من المساجد والكنائس في العراق وسورية وليبيا ومصر وغيرها من دول العالم.. تم ذلك على أيدي إرهابيين يدعون الإسلام وتستفيد من أعمالهم جهات استخباراتية لها مصالحها الخاصة التي تخدم مشاريع بعض الشخصيات والأحزاب السياسية المتاجرة بكل شيء.

سفاح نيوزيلندا الإرهابي الأسترالي «برينتوت تارانت» الذي ينحدر من والدين بريطانيين لم يقدم على فعلته بالصدفة أو نتيجة لحالة غضب هستيرية أصابته فجأة، بل ثبت أن ما قام به عمل منظم جداً ومخطط له بشكل احترافي ابتداء من التصوير والعبارات المدونة على السلاح وليس انتهاء بالبيان الذي نشره عبر الإنترنت، وهذا على الأرجح عمل مؤسساتي يحمل بصمة مخابراتية ورسائل دعائية صيغت بعناية تامة بعد بحث تاريخي عميق لا يمكن أن ينفرد به مخبول مصاب بسعار مفاجئ.


«ابحث عن المستفيد؟».. هذه قاعدة بسيطة جدا وفي غاية الأهمية للكشف عن خلفيات أي جريمة، وهي كفيلة غالباً بإلقاء الضوء على الجوانب المظلمة التي تخفي آثار وبصمات الفاعل الخفي.. ذلك المجرم الذي يشرب قهوته خلف الكواليس استعداداً لجني الثمار وقد يظهر بعد إسدال ستار المسرحية باكيا شاجبا مستنكرا ما حدث.

المعلومات تشير إلى أن القبض على تارانت والتدقيق في رسائله وخلفيته دفع السلطات النيوزيلندية للتواصل مع نظيرتها التركية وإشعارها بأن لديها أدلة على زيارات قام بها الإرهابي إلى إسطنبول، بعد ذلك بسويعات أصدر الأتراك بياناً يؤكد صحة هذه المعلومات مع صورة لتارانت في تركيا، لكن الغريب أن هذه الجريمة البشعة حدثت بعد أقل من 48 ساعة على طلب البرلمان الأوروبي تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في جلسة عامّة في ستراسبورغ الأربعاء، أكد خلالها غالبية الأعضاء أنهم «قلقون جدا من سجل تركيا السيئ في مجال احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية وسائل الإعلام ومكافحة الفساد وكذلك من النظام الرئاسي»، وهو الأمر الذي علق عليه المتحدث باسم الحزب الحاكم في تركيا عمر جليك على تويتر، بقوله «إن البرلمان الأوروبي يرى العالم من خلال النافذة الضيقة لليمين المتطرف».

هذا يعني ببساطة حاجة أنقرة الماسة لضرب شعبية اليمين الغربي بعمل يهز العالم ويجعل الحزب الحاكم في تركيا «مظلوماً ومستهدفاً» في أعين شعوب العالم، ويا لها من مصادفة عجيبة تلك التي جعلت البيان الذي نشره مرتكب المجزرة يتضمن تحريضاً على قتل الرئيس التركي «أردوغان» دون غيره من المسلمين، والمصادفة الأعجب أن يشيد الإرهابي بالرئيس الأمريكي ترمب قبل موعد الانتخابات الرئاسية، ليدفع اليسار الأمريكي وصحافته المسعورة للهجوم عليه بهذه الذريعة «المطبوخة» بنكهة «الشاورما»، وكم في هذا العالم من العجائب.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com