-A +A
أحمد عجب
سأل الإمام أحمد (رحمه الله) حاتم الأصم، وهو من حكماء العرب، سؤالاً يقول فيه: كيف السلامة من الناس يا حكيم ؟! فأجابه: تعطيهم من مالك، ولا تأخذ من مالهم، وتقضي حوائجهم، ولا تطلب منهم حاجة، تصبر على أذاهم ولا تؤذيهم !! فقال الإمام أحمد: ولكن هذا صعب يا حكيم: فأجابه الحكيم: ومع هــذا ليتك تسلــم !؟

الحمد لله أن الإمام أحمد لم يعش في زمننا هذا وإلا لانقلب تعجبه من جحود الناس لإغماءة طويلة، فقد ظهرت علينا فئة جاحدة لم يسلم منها حتى جنودنا البواسل على الحد الجنوبي، هؤلاء الأبطال الذين يحملون أرواحهم على أكفهم كل صباح ليذودوا عن أعراضنا وأرواحنا، تركوا زوجاتهم وأبناءهم بكل همومهم لينشغلوا بحمايتنا على جبهات القتال، تركوا منازلهم العامرة وسررهم الأثيرة ليسكنوا الخنادق ويفترشوا الحصى، تركوا المصائف والمرابع ليصبحوا هدفاً للميلشيات والقناصة وحقول الألغام، كل هذا من أجلنا، ثم يأتي بعض الجهلة المرفهين ليقللوا من تضيحاتهم ويرفضون تمييز مطالبهم بحجة أنهم مثل غيرهم من الموظفين !؟


لن أطالب كغيري بإرسال هذه الفئة البرجوازية لخط النار لأن (الحرب لها رجالها) فقد تنكسر يد الواحد منهم وينتابه الشلل الرعاشي لمجرد حمله البندقية خلال المناورة، قد يتوفى دماغياً أو يصيبه التبول اللا إرادي عند محاولة إنزاله بالبرشوت، قد لا يجد مفراً من جحيم المعارك والأشلاء المقطعة ورائحة الدم سوى أن يحمل بقشته ويتسلل من الكتيبة ويفر هارباً لأقرب بلدة، كل ما أطلبه هو سن قانون يقضي بسحب الجوالات من هذه الفئة المخملية واستبدالها بمسدسات ماء ليتراشقوا بها ويشبعوا وهمهم بأنهم مثل جنودنا !!

في إحدى الزيارات التي يحرص عليها لتفقد أحوال المرابطين وتلمس احتياجاتهم أخذ معه أحد الأبطال المصابين مقطع سيلفي متداول، وقال بعد أن أنسته الزيارة الميمونة آلامه (تشرفت اليوم بالسلام على سمو ولي العهد) ليجيبه سموه بكل وفاء (أنا اللي لي الشرف مع أحد أبطال الوطن، بطل عظيم وترى الدور الذي يقدمه أكبر مليون مرة من الدور الذي أقدمه أنا).

هكذا تنظر الحكومة لأبطالنا وقيامها مؤخراً بصرف راتب شهر للعسكريين على الحد أكبر دليل على اهتمامها بهم، وكل ما نحتاجه دراسة ميدانية وتوصية عادلة، ليصدر قرار إسقاط ديون المرابطين قريباً، خصوصا أنها تسقط بقوة النظام في حالة الوفاة، بجانب منح الورثة مزايا مالية، فلماذا لا يكرمون بهذا الحق في حياتهم تحفيزاً لهم وتثميناً لأدوارهم العظيمة، إننا لو سألنا المرابطين الذين ندين لهم بحياتنا: هل تقبلون إسقاط ديوننا المعنوية مع أنكم لم تسلموا من بعضنا ؟! لرفعوا خوذاتهم من أرض المعركة وجاوبونا بكل شهامة: روحوا الله يسامحكم، عيشوا أفراحكم وشوفوا حياتكم، ونحن هنا صامدون لحمايتكم.