-A +A
علي بن محمد الرباعي
للتطوُّر حيثيات علمية، ومعرفية تسهم في الانتقال من مرحلة لأخرى، وللتغيُّر أسباب ومبررات. التطور إيجابي وقائم على أسس ولذا يفرح أي كائن حي عندما تقول له «تطوَّرت»، بينما التغيير يندرج في خانة النقد السلبي المتحفظ عليه اجتماعياً، والعلماء يرون أن تطور مجموعة أفراد يمكن أن يطوِّر مجتمعاً بأكمله.

التغيير استهلاكي، يقوم على استعارة ثقافات وأفكار وافدة، ولذا يمكن أن يتغير الإنسان دون تطوُّر كأن يعيش القرن الحادي والعشرين بقناعات القرن التاسع عشر، والتطور يعتمد على ما لديك، والتغيير يعتمد على ما عند الآخر. التطور اختياري، والتغيير إجباري.


الآية الكريمة «إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ...» تشمل التغير السلبي والإيجابي الذي هو التطور أو التغير للأحسن. ولو سألنا أنفسنا هل تطورنا أم تغيرنا؟ سنتوقف طويلاً أمام ذواتنا ومجتمعاتنا للتأمل ومقارنة ما كنا فيه بما أصبحنا عليه.

مجتمعنا المحلي كان قائماً على الزراعة التقليدية، والحِرف اليدوية، ولم تكن الوظائف وعائدات النفط حاضرة في حياة الناس بتجلياتها التي لخبطت أوراقهم لاحقاً، بحكم أن المجتمع لم يتهيأ للتحولات، ولذا وقعنا في جدل طويل بين ما هو ثابت وما هو متغير، ونحن نظرياً نتشبث بما نظنه ثوابت فيتضح مع الوقت أنها متغيرات على المستوى المعيشي والسلوكي.

إشكالية كبرى حين يعتقد المجتمع أنه تطور ثم ينكشف أنه تغيَّر فقط، نعم هناك أفراد متطورون وربما سبقوا العصر، لكن هناك من يعيش خارج التاريخ، وربما لا يعلم أن ما يحيط به من نظريات، وما تدفع به الشركات والمصانع من منتجات تسوِّق لأفكار تتلبسه وتديره.

في الثمانينات كانت صورة الشرق في أذهاننا قاتمة، بحكم ما لحق بالنظرية الاشتراكية من تشويه، وبعد غزو العراق تكشَّف لنا وجه الرأسمالية المتغول، إلا أنها سرعان ما اقتحمت يومياتنا، فاجتاحتنا موجة الرسملة، التي باركها حتى رجال الدين وعلَّقوا عليها الآمال باعتبارها ناجمة عن نظريات مؤمنة بخلاف نظريات المعسكر الشرقي الملحدة، وهناك من لا يعلم شيئاً عن جهاد الروس في سبيل ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية، وحفظ حقوق الطبقات الكادحة.

التطور يرتبط بمستوى احترامك للقيم وإيمانك بالمبادئ، وبما أننا لا نعاني من إشكالية تعدد الهويات، إلا أن ثقافتنا متنوعة ومرجعياتنا متعددة، ولعلي آخذ مشروع (الحوار) نموذجاً وأسأل «هل نجحنا في امتحان الحوار؟»، حينها نحكم تطورنا أم تغيرنا!