-A +A
محمد الساعد
لطالما كان طلال مداح ومحمد عبده للسعودية من أهم مقدرات قوتها الناعمة في الستين سنة الماضية، لم تكن الساحة الفنية العربية شاغرة، بل لم يكن فيها مكان لأحد خارج القاهرة وبيروت، ففن العرب يصدح بأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وصباح وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وفيروز ووردة الجزائرية وفايزة أحمد، ومع ذلك كانت الرياض حاضرة ومالئة الدنيا وشاغلة الناس بأغاني محمد وطلال التي اكتسحت العالم العربي تنثر تراثنا وكلماتنا وأنفاسنا الموسيقية على سبيل المثال أغنية «ليلة ليلة» تحولت إلى أيقونة عالمية، صحيح أننا لم نستغل ذلك النفوذ الفني ولا ذلك التراكم لأسباب عديدة، لكن الوقت قد حان لنرسخ فنوننا وفنانينا ونصنع نجومنا.

حضورنا بدا طاغيا بالرغم من أن إعلامنا في الستينات والسبعينات كان ضعيفاً وناشئاً، مع ذلك حفرنا في قلوب الناس إيقاعاتنا وتركنا في حياتهم أثراً منا، لقد تغنى العرب بكلماتنا وأهازيجنا وألحان الخبيتي والمجرور، لم يكن طلال ومحمد يمثلان كل ما في السعودية، لقد كانا رأس جبل الفن فقط، وما تحت السطح كنوز من التراث الموسيقي الباذخ التي تنتظر من يخرجها من سباتها.


صف طويل من عمالقة الفن السعودي لا يكفيهم المقال ولا يعبر عن قليل من الامتنان لهم، هناك من نعرف وهناك من طواهم النسيان، طارق عبدالحكيم في نظري هو أستاذ الفن وعرابه وأول مدرسة للموسيقى وواضع لحن النشيد الوطني، عبدالله محمد أستاذ الأجيال وموسيقار نادر، محمد علي سندي أبو التراث الشعبي، فوزي محسون بريد الغناء ومرسول العذوبة، ثريا قابل نجمة الكلمة وأول الشاعرات من عندها يبدأ الحب وعلى يديها تبتسم الكلمات، ابتسام لطفي الحية في وجداننا هي أم كلثومنا، وعتاب وحيدر فكري وسراج عمر وعمر كدرس وإبراهيم خفاجي وغيرهم الكثير، كلهم يستحقون أن يذكروا ويمجدوا، ألا يكفي أنهم حملوا عنا عبء التحضر والتمدن رغم كل الألم والتهميش والانتقاص وربما الفقر وضيق الحال الذي أصابهم وأصاب أسرهم وهز مكانتهم الاجتماعية؟

هم لا يقلون مكانة ولا جهوداً عن الطبيب أو المهندس أو اللاعب أو الممثل خدمة لوطنهم وحملاً لرسالته، فلطالما كانت الأغاني لسان الناس وقلوبهم في الأفراح والأتراح، هل ننسى أغنية «كلنا فيصل وكلنا خالد» التي طيبت النفوس المفجوعة وهدأت خواطر السعوديين بعد مصابهم الجلل في «الفيصل» رحمه الله، هل نتذكر محمد عبده في أغانيه الملهمة «فوق هام السحب»، وخلال حرب الخليج «حنا جنود الله، وهبت هبوب الجنة»، وطلال مداح في «الله الأول وعزك يا الوطن ثاني.. لأهل الجزيرة سلام وللملك طاعة»، لقد بنت ذاكرتنا ورسخت حب وطننا وأشعلت الحماسة في صدورنا.

أهمية تكريم «الجسم الفني» في المملكة بكل ما فيه من مطربين وملحنين وشعراء وهم أحياء ليست فقرة في حفل سنوي، إنها إرادة ولفتة سخية في معانيها من معالي المستشار تركي آل الشيخ، تؤكد أن السعودية دولة مؤسسات تتبنى تخليد مسيرة أبنائها وعطائهم وتراثهم وتتلمس احتياجاتهم وألاّ يتحولوا إلى مجرد عابرين في حياتنا، من الرائع أن يرى الملهمون تكريمهم أمام أعينهم وهم أحياء ومن الوفاء أن نكرم من أفنى عمره من أجل هوايته وفنه، تركي آل الشيخ لا يكرم فقط، بل يعيد هندسة القوة الفنية الناعمة للسعودية، ويرسخ بناءها، ويعظم من تأثيرها بما يخدمها ويعلي من شأنها محلياً وعربياً.

* كاتب سعودي