-A +A
هاشم عبده هاشم

* زيارات مرتقبة لإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وأستراليا واهتمام بدول أفريقيا

* تفعيل دور السفارات ولجان العمل السعودية لمتابعة نتائج الجولة وتحقيق ثمارها


* منهجية جديدة لتطوير إدارة القطاع الخاص

* الشعوب تستفيد من الاستثمارات في الدول الـ 3



•• لم يكن اختيار الدول الثلاث.. باكستان/‏ الهند/‏ الصين.. محطات «عفوية» لجولة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في الفترة الواقعة ما بين 17 و22 فبراير 2019.. وإنما كان نتيجة مخطط مرسوم بدقة وعناية وبتوقيتات دقيقة، وبعد تحضيرات واسعة ساهمت فيها كافة أجهزة الدولة وقطاعاتها ومؤسساتها المعنية.. سياسية.. وأمنية.. واقتصادية.. وثقافية.. وذلك تحقيقاً للأهداف الإستراتيجية والحيوية المهمة التالية:

• أولاً: الاحتفاظ بأعلى مستويات التفاهم والتعاون والتنسيق رفيع المستوى مع هذه الدول عبر تحقيق المزيد من الشراكات وتعزيز المصالح الحيوية بيننا وبينهم.

• ثانيا: دعم الجهود الدولية الراهنة لمواجهة كل أشكال الإرهاب.. والوقوف بوجه مصادره وعزلها وضمان عدم تأثيرها.. ومنع امتدادها بكل الطرق الممكنة والمشروعة.

• ثالثاً: تلبية احتياجات الدول الشقيقة والصديقة تحقيقاً للمزيد من التقدم.. والتطور.. والمضي في خططها وبرامجها التوسعية على كافة الصعد.

•• وبكل تأكيد..

•• فإنه لولا الإعداد الجيد.. والتوقيت المحكم.. لما أسفرت هذه الجولة عن «76» اتفاقية ومذكرة تفاهم مع باكستان، و«25» اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الهند، و(35) اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الصين، بلغت كلفتها جميعاً «196» مليار دولار.. وستكون لها عوائد ضخمة على اقتصادات هذه الدول وكذلك على بلادنا بالخير العميم..

•• وقد غطت تلك الاتفاقيات كافة المجالات الحيوية كالنفط والبتروكيماويات والتعدين والتقنية المتطورة والاستثمار والتجارة البينية، والثقافة والرياضة والإعلام.. والطاقة الشمسية والمتجددة.

•• وسوف تساهم هذه الاتفاقيات وغيرها من الاتفاقيات بالغة الأهمية في المجالات الدفاعية والأمنية المشتركة، وفي تعزيز قدرة الدول الأربع على النمو.. وتحقيق طموحات المستقبل.. حيث سعت المملكة إلى إحراز المزيد من التطابق والتكامل بين رؤية (2030) وبين خطط ورؤى وبرامج الدول الثلاث، كما هو الحال مع مشروع طريق الحرير الصيني، وربط هذا المشروع العظيم بمشاريع وخطط كل من باكستان والهند، لإيجاد قاسم مشترك أعظم بين الدول الأربع دمجاً لمصالحها الضخمة.. وتجذيراً لتعاونها.. وتوسيعاً لقواعد الشراكة الإستراتيجية بين دولها..

•• وفي نهاية المطاف.. فإن هذه الشراكات العريضة سوف تحقق للدول الأربع ما هو أكبر من النمو والتطور المنشودين حين تصل عوائده إلى الشعوب.. بما توفره تلك المشاريع من فرص وظيفية ضخمة.. تعود بالخير على الجميع..

•• كما أن هذا الإنفاق الهائل على هذه المشاريع.. كفيل بتحقيق مختلف صور الانتعاش.. ومواجهة حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها العالم..

•• والأكثر أهمية من كل ذلك أنه يوفر دفعة قوية للقطاع الخاص للمساهمة المباشرة.. وتحقيق المكاسب المرجوة.. وتنمية الأوطان.. والمساهمة الإيجابية في خدمة الجميع.. ورفع معدلات التنمية في الدول الأربع.. وفي بلادنا بصورة أكثر تحديداً..

آليات مطلوبة لتفعيل دور القطاع الخاص

•• وكم أتمنى أن تكون هناك آليات واضحة لتفعيل دور القطاع الخاص السعودي حتى يحقق أعلى مستويات المنفعة من هذه المشاريع الاستثمارية العريضة، وتمكينه من الدخول فيها بقوة والمشاركة بشجاعة، ولا سيما في المجالات الحيوية والاستثمارية الكبرى.. جنباً إلى جنب مساهمة الدولة.. مثل المشاريع النفطية ومشتقاتها والمشاريع المتصلة بعلوم التقنية والتكنولوجيا المتطورة بدلاً من الاقتصار على المشاركة في المشاريع الصغيرة وغير المجدية، سواء للاقتصاد الوطني أو للعوائد المتحققة للمستثمر الوطني.. ذات الطبيعة الاستهلاكية غير المجدية على المدى الطويل..

•• وفي اعتقادي.. أن الوقت قد حان لكي يتحرك القطاع الخاص بقوة.. ويوسع دوائر استثماراته.. سواء في داخل البلاد.. أو في خارجها.. وبالذات في المجالات الحيوية.. والمستقبلية الجديدة.. كالطاقة الشمسية.. والمتجددة والصناعات المتقدمة والثقيلة، وإن تطلب ذلك إعادة تأهيل للعقلية الاستثمارية لدينا، بعد أن ظلت لقرون طويلة معتمدة على المشاريع الحكومية في الداخل أو الاستثمارات محدودة المخاطر في الخارج..

مقومات تغيير العقلية الاستثمارية

•• وأنا أدرك أن مثل هذه النقلة النوعية المطلوبة في الفكر الاستثماري المحلي بحاجة إلى:

1) ضمانات مشروطة تقدمها الدولة لهذا المستثمر المحلي لفترة معينة تمكنه من خوض التجربة بنجاح.. وطمأنينة..

2) تطوير الإدارة المحلية الحالية لقطاع المال والأعمال الوطني للتفكير خارج الصندوق. وخوض التجربة بطرق علمية مدروسة بعيداً عن الأنماط التقليدية السائدة.. وتشغيل رأس المال بحيوية أكبر وبعقليات جمعية بعيداً عن الإدارة الفردية.. والقرارات الشخصية التي تخاف من المغامرة وخوض المخاطرة.. ودراسة مختلف الأبعاد والاحتمالات بصورة علمية صحيحة.. ومن خلال فرق عمل متخصصة.. وذات كفاءة عالية تعتمد على مستشارين قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة وغير المرتبكة.

3) خارطة طريق واضحة لتوزيع القدرات الاستثمارية الوطنية على مختلف قارات العالم وفقاً للأهداف المرسومة سلفاً وبعناية.. سواء على المستوى السياسي.. أو الاقتصادي.. أو الأمني.. وبما يكفل تحقيق الأهداف العليا التي ترمي الدولة إلى تحقيقها، كسباً لمواقف الدول، وفوزاً بمشاعر الناس في الدول التي نستثمر فيها، جنباً إلى جنب تحقيق المنافع والعوائد المادية، سواء بالنسبة للاستثمارات الحكومية أو مساهمات القطاع الخاص.. باعتبار أن كل ريال أنفقه في الخارج لابد أن يحقق عوائد ضخمة على هذه الأصعدة كافة.. وليس على الصعيد المالي فقط.

•• وكما هو معروف فإن التجارة بين الدول تحكمها اعتبارات عديدة.. ولا تقتصر على تحقيق المنافع السهلة أو المحدودة..

•• فإقامة مستشفى.. أو مدرسة.. أو مبرَّة.. أو مسجد.. أو جامعة.. يخدم ملايين الشعوب الأخرى مفيد للغاية للدول التي تتجه إلى تجسير التعاون بينها وبين الدول والشعوب على حد سواء..

أهمية آسيا وأفريقيا في حساباتنا المستقبلية

•• وانطلاقاً من هذه المفاهيم.. مجتمعة.. أجد أن التوجه نحو القارة الآسيوية (أولاً) والقارة الأفريقية (ثانياً) مهم.. وجدير بالتوسع والمتابعة والانطلاق بقوة.. وبنفس الحسابات الدقيقة هذه..

•• وكما كان التوجه نحو باكستان والهند والصين قوياً ومهماً ومعززاً لبدايات مبكرة.. قامت على إدراك أهمية القارة الآسيوية.. فإن هذه الانطلاقة تحتاج إلى استكمال ومتابعة وبنفس قوة الدفع الحالية.. لكي تشمل دولاً مهمة أخرى في القارة أيضاً.. وبالذات إندونيسيا وماليزيا.. وسنغافورة.. وإستراليا.. وغيرها.. لما يربطنا ببعضها من أواصر العقيدة.. والتاريخ المشترك.. ولما لها من أهمية قصوى إن على المستوى الأمني.. أو السياسي.. أو الاقتصادي..

•• وفي ظني أنه لولا تزامن انعقاد القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ في هذا الوقت بالذات لكانت جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد استكملت المشوار وحققت كل الأهداف الإستراتيجية والأبعاد الحيوية في جولة آسيوية ذات طابع شمولي.. وبعيد المدى.. ولملأت الفراغات التي تتطلبها المرحلة وتتطلب معها عدم ترك القارة الآسيوية نهباً لتحركات إيران الطموحة للتمدد فيها.. أو لبعض الدول والأنظمة التي تحلم بأن يكون لها وزن فيها.. وتتصرف مع القارة بما هو أكبر من حجمها.. لاعتبارات نفسية.. وحسابات ضيقة.. ومحدودة.. وإن كلفتها كثيراً..

أهداف التحرك السعودي بعيد المدى

•• وحتى ألخص أهمية ما جرى وما سوف يترتب على هذه الزيارة للدول الثلاث باكستان/‏ الهند/‏ الصين.. فإنني لابد أن أشير إلى الأمور التالية:

• أولاً: إن التحرك السعودي إلى هذه الدول منفردة أو مجتمعة.. كان جزءًا من طبيعة المرحلة الديناميكية التي تعيشها المملكة الآن وتتجه إليها في المستقبل للعمل الجاد على بناء شراكات عريضة وقوية وفاعلة مع الدول المؤثرة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ولم تكن (فقط) مرتبطة بالتهديدات الإقليمية، إيرانية وغير إيرانية لدول المنطقة أو للتمدد خارجها ترجمة لسياساتها القائمة على التوسع في كل اتجاه.

• ثانياً: إن العلاقات السعودية مع كل من باكستان والهند والصين، كانت ممتازة باستمرار رغم تغير الوجوه وتعدد الطروحات، ورغم مراهنة إيران على إحداث اختراقات من نوع أو آخر لهذه العلاقات المتينة.. ورغم كل ما قدمته وتعد بتقديمه من تضحيات في سبيل الفوز بها على حساب علاقاتها مع الدول الأخرى وفي مقدمتها المملكة..

• ثالثاً: إن رؤية (2030) التي وضعها الأمير محمد بن سلمان.. بدعم ومباركة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. وضعت دولاً مهمة بعينها في مقدمة من استهدفته لعقد أوسع الشراكات معها وربط مصالحها العضوية بمصالحنا الحيوية، وكانت الصين والهند وباكستان في مقدمة هذه الدول.. وعندما استكملت الدراسات.. ووضعت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في صورتها النهائية تمت الزيارة تحقيقاً للأهداف المرسومة لها..

•• ولا أعتقد أن المملكة وإيران في مجال المنافسة على القارة الآسيوية.. حتى وإن سعت إيران.. ورغبت تركيا.. وسواهما في إحداث شرخ بيننا وبين بعض دولها.. وهي محاولات لم ولن تتوقف، وبالتالي فإن علينا ألا نغمض أعيننا لحظة واحدة لئلا نسمح بهذا الاختراق في أي وقت من الأوقات لما لتلك الدول من حسابات وأطماع لا يجب التقليل من شأنها.. أو تجاهلها..

•• وما نقوم به نحن.. يؤكد أن هذه البلاد تعي.. وتُدرك مسؤوليتها جيداً.. وتتحرك بالصورة المطلوبة.. وفي الوقت المناسب للحفاظ على مكانتها عند شعوب الأرض ودولها..

تطوير أدوات المتابعة ودور السفارات

•• وعلينا أن نعزز قدرتنا على التواصل والمتابعة مع كل الأشقاء والأصدقاء وبوتيرة عالية أيضاً سواء من خلال مجالس التنسيق العليا التي أقمناها معهم.. أو من خلال الشراكات الاقتصادية الواسعة.. أو من خلال الوفود.. وفرق العمل المتخصصة ولجان المتابعة التي تحتاج إلى تطوير لمستويات أدائها في المرحلة القادمة حتى تكون أكثر فعالية وأبعد عن الأساليب والآليات التقليدية السائدة.

•• كما أن الوقت قد حان لإعادة النظر وبقوة في وظائف ومهام سفاراتنا في الخارج لكي تسجل حضوراً أكبر في خدمة أهداف المملكة ومصالحها في الدول الأخرى ومع شعوب تلك الدول، وأن تكون أكثر حيوية وتحركاً وفي كل الاتجاهات، وتمثيل المملكة خير تمثيل، وذلك يتطلب صلاحيات واسعة.. تقود إلى بث روح المبادرة والحركة لدى السفير وطاقم السفارة كل فيما يخصه.

•• وبالتأكيد فإن الدول الثلاث التي زارها الأمير محمد بن سلمان.. في مقدمة دول العالم التي يتوجب البدء في التعامل معها بهذا المستوى الرفيع من الحيوية.. لأنها دول مهمة بالنسبة لنا.. وشعوبها تهمنا كثيراً.. ويعنينا التواصل القوي معها، ولدينا من المقومات الكثير مما يجعلها معنا.. وقريبة منا.. بحكم المكانة التي نحن عليها في طول الإقليم وعرضه.. وكذلك بحكم المصالح الضخمة التي تربط بلادنا بها وبغيرها من الدول والشعوب..

•• على أن ما لا يجب أن نغفله ونحن نتحدث عن لقاءات مهمة جمعت بين سمو الأمير محمد وبين قادة هذه الدول وحفاوتهم العالية به، والتعامل معه معاملة رؤساء الدول تقديراً منهم لسموه ولمكانة بلاده في دولهم وعند شعوبهم.. هو تلك الروح التي خيَّمت على تلك اللقاءات المهمة. ومن ذلك مطالبة رئيس الوزراء الباكستاني «عمران خان» بمعاملة الباكستانيين الموجودين بالمملكة كمعاملة السعوديين تجسيداً لروح الأخوة والصداقة بين البلدين والشعبين.. ورد سمو الأمير السريع: «اعتبروني ممثل باكستان في المملكة العربية السعودية».. وتصفيق الحضور العاصف إعجاباً بالرد..

•• ثم حفاوة كل من الرئيس الهندي «رام نات كوفيند» ورئيس الوزراء «ناريندرا مودي» بالأمير.. ولقاءاتهما المشتركة به.. واستقبال وتوديع رئيس الوزراء لسموه على نحو مغاير للبرتوكول الهندي..

•• ولقاء سمو الأمير بالرئيس الصيني المهم «شي جين بينغ» واجتماع الجانبين برئاستهما لبحث مختلف أوجه تطوير التعاون المستقبلي بين البلدين.. بهدف ترسيخها وتعميقها..

•• وكذلك حفاوة نائب رئيس مجلس الدولة الصيني «هان تشنغ» واجتماعاته المتكررة بسموه.. هذه المظاهر وتلك لا ترسم أهمية ومكانة المملكة لدى هؤلاء القادة فحسب.. ولكنها تصور أيضاً طبيعة المرحلة القادمة لعلاقات نابضة بالحيوية وترابط المصالح بين المملكة والدول الثلاث المهمة في القارة الآسيوية، وهو ما يقطع الطريق على إيران وغير إيران من الوصول إليها أو التأثير على قراراتها.. أو الحصول على دعم منها لسياساتها ومواقفها.. أو لتمكينها من الخروج من عزلتها الدولية.. أو الترويج لسلعها وبيعها بأدنى الأسعار منها ومن سائر دول العالم الأخرى.

•• ويكفي الهند مثلاً أن المملكة سوف تلبي كافة احتياجاتها من النفط.. وأن تتشبع والباكستان والصين بحجم الاستثمارات السعودية الهائلة فيها.. وأن تفتح كل الأبواب أمام استثمارات هذه الدول في المملكة العربية السعودية.. وأن تأتي إلينا شعوبها وتجد منا كل الترحاب.. لتظل المملكة حاضرة في الأذهان وبقوة تحقيقاً للأهداف العليا.. نحو سلام العالم وتقدم الإنسان.