-A +A
جميل الذيابي
مما تنبغي ملاحظته والتوقف عنده أن القاسم المشترك بين المحطات الثلاث لجولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الآسيوية، أن تلك الدول (باكستان، الهند والصين) التي زارها قوى نووية، ذات اقتصادات عملاقة.

كما أن كلاً منها حليف للسعودية، تربطه بها علاقات إستراتيجية متينة تشمل التعاون في جوانب عدة، بما فيها المجال الدفاعي والصناعي. لقد أنهى الأمير محمد الجولة الآسيوية بنجاح، بفضل النظرة الثاقبة لخريطة التحالفات والعلاقات في هذه القارة الحيوية التي تنتمي إليها السعودية.


وهي نظرة نشأت من تقدير السعودية لمستقبلها، وتغليب مصالحها وتوسيع علاقاتها المتبادلة مع عواصم الدول الأخرى بما فيها التي شملتها هذه الجولة الآسيوية الحافلة باللقاءات، والمشاورات، واتفاقات الاستثمار التي ترجح كل المؤشرات الاقتصادية نجاحها.

ولم يكن نجاح الجولة في محطتها الأولى، وهي باكستان، بسبب الاستثمارات وحدها، بل يعزى في جانبه الأكبر إلى «الكاريزما» التي تتمتع بها شخصية الأمير محمد بن سلمان.

فقد قوبل في روالبيندي وإسلام آباد بالطائرات وطلقات المدفعية، وبأرفع وسام تمنحه باكستان (نيشان باكستان). وتصادف تلك الكاريزما حباً خالصاً للسعودية في أفئدة الشعب الباكستاني الذي يتجاوز تعداده 200 مليون نسمة.

ولهذا كان الأمير محمد بن سلمان صادقاً حين أبلغ رئيس الوزراء عمران خان في مؤتمرهما الصحفي الختامي بأنه لا يستطيع أن يرفض طلباً لباكستان؛ لذلك استجاب لطلب مضيفه الباكستاني بإطلاق أكثر من ألف سجين باكستاني من سجون المملكة.

يحاول أعداء السعودية تشويه صورة ولي العهد عبر نشر الأكاذيب والفبركات لاغتياله سياسياً، لكنه ظل طوداً شامخاً وفاجأهم في أكثر من محفل بحضوره الكبير والمؤثر، وآخرها في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الأرجنتين.

كانوا يمنون أنفسهم بأن حملاتهم المغرضة لتشويه سمعته بالادعاءات الباطلة ستسكت صوت بلاده، ففوجئوا به قائداً ذا شعبية كبيرة في باكستان، وضيفاً يحظى بالاحترام الكبير في الهند والصين. وهكذا يجب أن يكون القادة الكبار، على النقيض تماماً مما يحيكه الصغار الذين سيبقون صغاراً، ومصير مؤامراتهم إلى مزبلة التاريخ.

لا شك أن زيارة الأمير محمد بن سلمان الناجحة لكل من باكستان والهند اللتين تشوب علاقتهما توترات متفاقمة بسبب قضية كشمير تأكيدٌ جديدٌ على فاعلية الدبلوماسية السعودية على احتواء التوترات بين دول شقيقة وصديقة تربطها بالسعودية علاقات متجذرة وعريقة، بدلالة كسر رئيسي الوزراء الباكستاني والهندي البرتوكول لاستقبال الضيف السعودي في المطار.

ولهذا كان احتفاء إسلام آباد ونيودلهي بزيارة ولي العهد كبيراً؛ لأنه يملك الكاريزما التي تتيح له وساطة ناجحة لخفض التوتر بين البلدين بسبب النزاع على كشمير.

وأعتقد أن صحيفة «عكاظ» تمكنت من شرح تلك المعاني على لساني رئيسي وزراء كل من باكستان عمران خان، والهند ناريندرا مودي، من خلال حوارين شاملين حصريين أجرتهما معهما بمناسبة جولة ولي العهد. المقابلتان جزء لا يتجزأ من أية محاولة صحفية لاستقراء كيفية تعامل القيادتين الهندية والباكستانية مع الرياض وأبعاد زيارة ولي عهدها.

ويمتد تأثير الدبلوماسية السعودية الفاعلة إلى الصين آخر محطات الجولة الشرقية الآسيوية لولي العهد، فما يجمع الرياض وبكين مصالح عميقة، خصوصاً أن بكين تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي. كما أن السعودية والصين تلتقيان في الالتزام الراسخ بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

الأكيد أن جولة ولي العهد ترسل رسالة واضحة أن القافلة السعودية ماضية في طريقها، وأن الإصلاحات مستمرة ولن تتأثر بمحاولات التشويش والتشويه الغبية، وأنَّ الفشلَ مصيرُ من يتبنون تلك الحملات ضدها.

ومصداق ذلك قول الزعيم الهندي المهاتما غاندي: ليس هناك طريق للسلام، بل إن السلام هو الطريق. وقد بنت السعودية طريقها وتاريخها السياسي المعاصر على مبدأ السلام.. سلام في الداخل، وسلام في الخارج.. ولا عزاء للحاقدين.