محمد زايد الألمعي
محمد زايد الألمعي




أحمد عسيري
أحمد عسيري




عيسى سوادي
عيسى سوادي




أحمد عمر
أحمد عمر
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Okaz_online@
تعد تجربة الشاعر محمد زايد الألمعي من أبرز التجارب الحداثية العربية، ذلك أنها قامت على وعي تام بالتجارب الناجزة محلياً وعالمياً، إضافة إلى تعدد قراءات (أبو عبدالخالق) وإجادته اللغة الإنجليزية، ما أهّله ليقرأ بأكثر من لغة، وليس أدل على تعلق الألمعي بالثقافة والفكر من تفرغه لدراسة اللغة الفرنسية وهو على مشارف العقد السادس من عمره، رغم أن تخصصه الجامعي في زراعة المناطق الجافة. وأنجز الألمعي تجارب شعرية غير مجموعة حتى اليوم، وقدم أفكاراً، وتبنى أصواتاً شعرية وسردية ما يضعه في قائمة آباء الحداثة الإبداعية في المملكة.

وفي ظل الأزمة الصحية التي يمرّ بها (العجوز الولد) كما أطلق على نفسه في أحد نصوصه، تدافع الأصدقاء ليطمئنوا عليه، ويبثون رسائل ود وأمنيات ودعوات إلى قلبه الذي اشتكى فجأة دون إنذار مسبق، واستعاد المثقفون عطاء (ابن زايد) طيلة عقود أسهم فيها بتجربة صحفية مميزة، ما بين إشراف ثقافي، وكتابة مقالات، وإجراء حوارات، وهنا مصافحة معنوية من أصدقاء الحرف.


يرى رفيق دربه الشاعر أحمد عسيري أنه لا لوم على قلب صديقه العزيز «محمد زايد» كونه يحيا منذ عرفه في «دوامة التعب» إلا أنه مشبع بروح الحياة، والتمرد الناهض، والانتصار لكل ما هو جميل، وعدّ تجربته الصحفية رائدة لأنه كان يهوى ارتياد المجاهيل بحمولات من المعطى المعرفي المحتدم، رغبة في تجسيد رؤياه الجمالية والفكرية والتعبيرية، من خلال إشرافه ومتابعاته الصحفية المفعمة بالجرأة والاقتحام، مع الانعتاق من قيود السائد المألوف، ما أهّله ليكون غابة مشتعلة في جبل من الثلج.

ويؤكد رئيس تحرير صحيفة الشرق السابق محمد الغامدي أن محمد زايد استشف الكلمات من معين يتوسط مهنة الصحافة وحِرفة الشعر، إذ أشرف على قسم الثقافة في فترة صحيفة الوطن الأولى، فكانت صناعة الأفكار الصحفية جاذبة، واتسمت بنقاشات جادة مع الجميع في تلك الصالة التي ألّفت فريقاً واحداً، وجعلت الجميع يعمل بروح واحدة، من أجل تقديم مادة صحفية واعية مفيدة للقارئ. ويرى أن الألمعي كما قال عن نفسه، يحمل روح طفل قلق، يحمله كذنوبه. وأضاف الغامدي: «ولأنه فعلاً يحمل روح طفل، وما على قلبه على لسانه يقوله كالطفل دون أن يفكر حتى في الذنوب التي يعتقد الآخرون أنه يرتكبها».

ويذهب المستشار الإعلامي عيسى سوادي إلى أن محمد زايد مثقف لم يسعفه حظه الصحفي بالعمل مباشرة معه، إلا أنه كان قريباً منه في آخر سنوات عمله الصحفي كمتفرغ خلال ترؤسه القسم الثقافي في صحيفة الوطن، وأضاف: «أستطيع القول بكل ثقة أن ميزة ذلك الصحفي المثقف، تكمن في خلق (الأفكار)، وليست أي أفكار، بل المحلقة جداً والمختلفة جداً». مشيراً إلى أن ذلك كان كافياً ليخرج قسم الثقافة في «الوطن» مختلفاً حينها عن السائد. ولفت إلى شغف الألمعي بـ«الفكرة المختلفة» وتوظيفها عبر علاقاته الواسعة بالمثقفين العرب، فاستقطب كبار الكتاب، وعلى رأسهم الناقد والشاعر اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح. وأكد أنه عندما غادر الألمعي العمل الصحفي، كان في لقاءات لاحقة يمارس ذات الشغف بـ«الفكرة المحلقة»، فيقترح عليه بين وقت وآخر فكرة عمل نوعي. وعدّه مختلفاً في حسه الصحفي، وفي اهتماماته بجديد الصحافة والتقنية أيضاً، مثلما كان مختلفاً في شعره وفكره وفلسفته للحياة والوقت والحب والوطن.

فيما عدّ الناقد الدكتور أحمد عمر، الشاعر محمد زايد الألمعي أشبه بشاعر جوال ينتمي إلى زمن حميم وحنون لا علاقة له بعالمنا، كونه يبعث مشاعر الثقة والأمان والألفة بمجرد رؤيته، فيرغب الإنسان في الاقتراب منه والدخول إلى عالمه، إلا أنه يرى فيه بحراً عميق الغوار، مهما كانت براعة الغوص لن يدخله أحد بسهولة، ولن يصل إلى قراره مطلقاً ما لم يقبل هو راضياً وقانعاً أن يفتح لك قلبه وعقله وحياته.

وأكد عمر أن الألمعي يحمل في أعماقه الكثير من جينات وصفات أسلافه الجبليين الذين غالبوا صعوبات البيئة والحياة أمداً طويلاً، إذ يمتاز مثلهم بالإباء وحب الاستطلاع، والذكاء الفطري الموروث، وطول الصبر على المكاره، وقوة الأعصاب والقدرة على التحكم فيها. ويرى أن الألمعي مرت به الشدائد والمحن، لكنه لا يقبل الهزيمة ويخرج منها أقوى وأشد.

ولفت إلى ما أورثته المعرفة والخبرة الحياتية الكثير من الحكمة والتدبر، فلا ينطق بكلمة إلا بعد أن يحيط بموضوع كلامه ويستوعبه تماماً. إضافة إلى السمات النفسية والخلقية، إذ له حظ وافر من المزايا الإبداعية والعقلية التي تجلت في شاعرية مبدع، ومتمكن من أدواته، وله حضوره المميز وشخصيته الشعرية المستقلة، وقاموسه اللغوي الذي ينحت مفرادته وصوره من جبل خفي لا يعرف أحد طريقه غيره. مضيفاً أن الألمعي جمع بين ثقافة رفيعة، وحس فلسفي عميق يمكنه من النفاذ إلى ما وراء الأشياء والأحداث والأشخاص، وعدّ محمد زايد رمزاً من رموز الحداثة، خاض من أجل تكريس أفكارها وقيمها معارك كثيرة، ودفع لهذا ثمناً كبيراً. ويراه بعيداً عن الازدواجية، بل يعيش أفكاره وقناعاته، وليس هناك أي فارق بين مظهره ومخبره، لذا هجر معظم أوساط الثقافة؛ ليبحث عن سلامه النفسي في إبداعه وأسفاره.

ويؤكد أن «العجوز الولد» وإن بلغ الستين عاماً، إلا أنه يظل فاتناً حالماً، وحكيماً لا يفقد دهشة الأطفال، وداعياً لآفاق مستقبل واعد يليق بنا، مستقبل يجعل على هذه الأرض ما يستحق الحياة.