-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
لا خير فينا إذا لم ننقل خبراتنا وملاحظاتنا التي جمعناها بحكم العمل أو المشاهدة عن قرب أو المعايشة، ننقلها للمسؤول بصدق وشفافية، فالمسؤول وزيرا كان أو محافظا أو رئيس هيئة، ليس من المؤكد أن يعايش كل ما يعايشه موظف قديم أو أن يلم بكل ما يحدث خلف كواليس المؤسسة التي تدخل تحت مسؤوليته، ناهيك عن تفاصيل دقيقة قد لا تصل إليه.

من الأشياء التي لاحظتها عن قرب، وحاولت كثيرا إيصالها، لكنها لم تحصل بعد على الاهتمام المطلوب، بل ربما بحكم اهتمامي بخطورة إهمالها أرى أنها لم تجد أدنى اهتمام.


المساندة الاجتماعية والنفسية لضحايا الصدمات والفقد والكوارث في مجتمعنا معدومة تماما في وقت نحن في أمس الحاجة فيه لدعم الضحية نفسيا واجتماعيا عن طريق أخصائية اجتماعية أو أخصائي اجتماعي وأخصائية أو أخصائي نفسي (ليس طبيبا نفسيا فالطبيب النفسي يعالج مرضا نفسيا بأدوية كيميائية)، أما ما نحن بصدده فهو أم فقدت فلذة كبدها أو أب فقد عددا من أفراد أسرته أو زوجة نقل لها للتو أنها لن ترى شريك حياتها ولحظاتها السعيدة بعد اليوم، أو ضحية خطأ طبي فقد عضوا أو بترت ساقاه.

ذلك ما يحدث في المستشفيات فجأة، خاصة بعد حوادث السيارات أو الحرائق أو الأخطاء الطبية، أو الوفيات لأي سبب، وبحكم عملي في المستشفيات لأكثر من ربع قرن، وخاصة في المناوبات أو كصيدلي ضمن فريق إنعاش القلب، فقد رأيت حالات انهيار وتفاعل مع خبر وفاة القريب لا يمكن تخيله ولا توقعه إلا لمن يشهد الموقف كثيرا بحكم عمله.

ما يحدث خارج المستشفيات لا يقل ألما ولا يقل حاجة للدعم، ففقد غالٍ يزداد أثره يوما بعد يوم، والحاجة للدعم من الأخصائية الاجتماعية والأخصائي النفسي كبيرة جدا داخل المستشفى وخارجه، لكن ذلك لا يحدث إطلاقا ويزداد الأمر سوءا مع انشغال الأقارب والجيران وتباعدهم.

لقد أهملنا تماما دور الأخصائيات الاجتماعيات رغم كثرتهن فهن -ويا للأسف- يكلفن بأعمال لا علاقة لها بما درسن بينما الحاجة لما تعلمنه كبيرة وهامة، فكثير مما يتعرض له المجتمع هو نتاج صدمات نفسية أو سلوكيات أفراد لم يحظوا بالمساندة المطلوبة عندما تعرضوا لفقد أو خسارة أو اعتداء.

الأغرب من إهمال تخصص الخدمة الاجتماعية وتكليف الأخصائيات بأعمال لا تمت لتخصصهن بصلة هو إيكال مسؤوليات في عمق مجال علم الاجتماع وتخصص الأخصائية الاجتماعية إلى شخص لم يدرس هذا التخصص ولا يمت له بصلة، ولعل فشل برنامج الحماية الأسرية في تحقيق أهدافه السامية أوضح مثال على ذلك، وعلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تدارك الأمر وتفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي.