-A +A
علي بن محمد الرباعي
جاء في الأثر بأن على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وعلى كل معتد مؤاخذة شرعية وقضائية حتى يبرأ بقصاص أو حد، أو تعزير، أو نيل عفو من صاحب الحق، فلا تبرير لجناية ولا التماس عذر لمجرم ولا إقالة لجانح ولذا شرعت العقوبات في الشرائع والقوانين، والأنظمة حتى لا يتحول عالم البشر لغابة يستأسد فيها القوي على الضعيف ويستبد فيه الجاهل بالمتعلم ويتطاول السفيه على حكيم.

القصاص المستحق بجناية على دم أو مال أو عرض، أو آداب عامة، أو أنظمة دولة، شفاء لصدر المجني عليه وإذهاب لغيظ الصدر ومنع لثأر وانتقام عبثي، وحفظ لهيبة النظام، ولذا قال تعالى (ولكم في القصاص حياة).


إلا أن الدوافع المعقولة للجناية سواء كانت نفسية أو اجتماعية حاضرة في القوانين والأنظمة والتشريعات العالمية ويمكن أن تؤثر في درجة ومستوى العقوبة وتخفيفها إلى أدنى، هذه الاعتبارات وردت في أثر عن الفاروق رضي الله عنه عندما سأل قاتلاً لم قتلته؟ فأجاب: إنما ضربت فخذي زوجتي.

أتصور أن الفقه القضائي في الإسلام لم يهمل الدوافع وإن كان الغالب عليه في الدماء الأخذ بالأحوط، لحقن الدماء إلا أن هناك دوافع تخل بقدرة الجاني على التحكم في نفسه وأعصابه، وعلى سبيل المثال لم يعتبر النبي عليه السلام بالطلاق حال غضب، وعمر لم يقطع يد السارق عام المجاعة، اعتباراً بالدوافع.

وهنا أتساءل هل يمكن أن يدرس مجمع الفقه الاسلامي قضية دوافع الجناية ويرتب عليها إلزام بدية مغلظة، أو تمديد فترة السجن على أمل تغير الظروف، التماساً للتنازل؟

الحديث هنا يأتي في ظل المؤاخذة لحالات إنسانية تعاني نفسياً، والجهات العدلية لا تحيل جميع الموقوفين على الطب النفسي، ما يمكن أن يُخلّ باكتمال تصور المحقق عن شخصية المتهم، فلا يكفي أن نقول إنه بالغ عاقل كون العلة النفسية أحيانا يفوق أثرها أثر اختلال العقل أو الجنون، فالمجنون نادراً ما يؤذي غيره، بخلاف المعتل نفسياً ومزدوج الشخصية، والأمل كبير في استعانة العدليين بالنفسانيين والأخصائيين الاجتماعيين، لأنه سيحقق نقلة نوعية في التطور القضائي بحكم أن علم النفس الجنائي إحدى مفردات علم التحقيق، والدوافع علّة تحمل الفاعل على الفعل، وحتى لا يذهب البعض بعيداً عما أقصد أعيد الجميع إلى التخصيص الذي هو تقليل لا تبديل، والتخصيص بالعقل محل اتفاق بين المقاصديين.