-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الحديث عن تحديات التعليم الجامعي لا يتوقف ولا يجب غير ذلك، لأنها أولا تحديات كبيرة ومتشعبة وكلما قطع خطوة نجده في العالم خطوات. أما التحدي الراهن فتكشف عنه طبيعة المخرجات وتخصصات نظرية تحملها أعداد كبيرة من الخريجين والخريجات الذين لا ذنب لمعظمهم في الاختيار، إلا أنهم مخرجات مرحلة ثانوية تقليدية، واختبارات قدرات وتحصيل لا تراعي تأخر أسلوب التعليم العام وتغير مسار الكثيرين، ونظام قبول جامعي يراعي الدرجات لا القدرات، بينما بلادنا تدخل عصرا جديدا لاقتصاد المستقبل، ليقفز السؤال: أين محل التعليم الجامعي والفني والتقني من الإعراب في هذا الخلل على أرض الواقع؟

هذا الحال يجب أن يصيبنا بالقلق الإيجابي المحفز على سرعة التطوير، حيث لم يعد يحتمل خطط (ترقيع) ولا رفاهية الانتظار، بل دائما هناك الممكن والأفضل الذي أثبتته الجامعات المتقدمة في العالم، ولا زلنا نرنو إلى قائمتها بعين الأمل لا بالعمل، لحجز ترتيب بها يقول إن لدى جامعاتنا ما تنافس به، وتلبي حاجة التنمية الحديثة إلى ثروتنا البشرية المتخصصة لوظائف المستقبل.


قبل نحو ربع قرن وعلى مدى سنوات، أقامت العديد من جامعاتنا وفي الصدارة منها جامعة الملك عبدالعزيز، فعاليات جادة لـ(يوم المهنة) وتجربتي معها طويلة، وحققت تلك الفعاليات حراكا في تأكيد أهمية توطين الوظائف، كان ذلك وعدد الجامعات لم يتجاوز حينذاك سبع جامعات، منها ست سمان في كلياتها النظرية إذا استثنينا جامعة الملك فهد للبترول، واليوم لدينا 28 جامعة حكومية وما يعادل نصف هذا العدد من الجامعات الأهلية، وتغطي الحكومية كافة المناطق والمدن لكنها صورة طبق الأصل من بعضها البعض، نفس الكليات وذات التخصصات دون ميزة نسبية تخدم التنمية حسب كل منطقة، والخسارة تكون كبيرة عندما تتعلق بالمخرجات الجامعية كقيمة أساسية قبل قيمتها المضافة على الاقتصاد.

إذا استثنينا الكليات الصحية وازدياد مخرجاتها الفنية في سوق العمل، نتساءل عن التعليم الفني والتقني، فأين محصلته وموقع مئات الآلاف من خريجيه على مدى عقود، وكأن لا أثر لهم، رغم حيوية هذا القطاع في الصيانة بمجالاتها الواسعة، وهي أنشطة أساسية لاغنى عنها وتدر دخلا وتقوم عليها شركات متخصصة، فأين الخريجون من سوق العمل وهل ضاعت تخصصاتهم وحصيلة دراستهم وبرامج تدريبهم ومليارات سنوية من أجلها دون عائد عليهم منها وعلى بلادنا؟!. ولو أحسنا استثمارهم لكان لدينا واقع مختلف وثقافة مهنية عملية نعتز بها كما نعتز بكل شاب وفتاة من أبنائنا وبناتنا على رأس العمل في كل موقع.

أصوات وآراء كثيرة في مجلس الشورى والإعلام تطرح تحديات التعليم الجامعي، والوزارة اليوم مستغرقة في خططها ونتمنى أن لا نغرق في التفاصيل، والتحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ بجدية وحزم لإنهاء مشكلة التخصصات النظرية المزمنة، وأن تضع كل جامعة هيكلا أكاديميا للكليات والتخصصات وخطة زمنية محددة، فالقضية لا تتعلق بأشخاص ولا مجاملات ولا فقط تمنيات، إنما خطوات عملية موقوتة لتطوير التعليم الجامعي والارتقاء بالبحث العلمي، ورؤية جادة لبناء المخرجات للحاضر ومستقبل الوطن، بتقنين القبول في الكليات النظرية بقدر حاجة سوق العمل، وتحويل بعض الأقسام إلى برامج تختصر الطريق إلى ميادين العمل، واستحداث تخصصات أكاديمية تطبيقية مطلوبة لمشاريع استثمارية ضخمة ترسو على أرض المملكة، وإلا فإن الحال سيكون أشبه بالكتابة في الهواء والحرث في الماء، فيما التحديات لم تعد تحتمل هذا ولا ذاك.. وللحديث بقية والله الموفق.

* كاتب سعودي