-A +A
رامي الخليفة العلي
قبل 4 عقود، وفي مثل هذه الأيام سقطت الملكية وتمت الإطاحة بنظام الشاه في إيران وتم الإعلان عن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن بعد كل تلك السنوات يحق للمراقب والباحث والمؤرخ وقبل كل هؤلاء الشعب الإيراني أن يتساءل، إذا ما كانت الثورة قد وصلت إلى تحقيق أهدافها المعلنة. هل وصل المجتمع الإيراني إلى المستوى الذي لطالما حلم به. هل استطاعت الثورة أن تضمن للمواطن الإيراني الحياة الكريمة البسيطة حيث يستطيع أي مواطن أن يؤمن متطلباته الحياتية اليومية ؟ هل استطاع نظام الخميني أن يؤمن الحرية لمواطنيه باعتبار أن شعار الحرية كان الشعار الأعز الذي نادى به الملالي ؟ هل استطاعت إيران أن تبني علاقات متوازنة مع جوارها الإقليمي ؟ هل أثبتت نظرية (الولي الفقيه) التي ابتدعها الخميني جدارتها باعتبارها نظاما سياسيا يحقق أعلى معايير العدل حتى يصل هذا النظام في نهاية المطاف إلى تحقيق المجتمع الفاضل ؟

قبل الغوص في محاولة الإجابة عن هذه الاسئلة وغيرها لا بد من الإشارة إلى أننا سوف نتجاهل الكثير من علامات الاستفهام حول العلاقات الإيرانية ـ الغربية وكذلك دور الاستخبارات الغربية وربما حتى الشرقية في ما آلت إليه الأوضاع خلال سنوات قبل الثورة وكذلك سنوات بعدها. خصوصا أن هناك الكثير مما يمكن قوله في هذا الإطار مثل العلاقات السرية بين نظام الملالي وإسرائيل، وكذلك بين النظام والولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا العلاقات مع وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي أي إيه)، وخصوصا في ما عرف فيما بعد بفضيحة إيران غيت.


بعيدا عن هذه الحقائق فإن من المؤكد أن الثورة الإسلامية منذ أن عاد الخميني إلى البلاد قبيل سقوط الشاه وضع نصب عينيه التخلص من كافة منافسيه حتى أولئك الذين شاركوه الثورة، فبدأ ذلك بإعدام أكثر من 200 شخصية من المعاونين للشاه ثم استمرت تلك الإعدامات لسنوات طويلة لاحقة، ولكنها لم تعد تقتصر على أنصار الشاه والموالين له بل تجاوز ذلك إلى كل من يعارض النظام من اليساريين والليبراليين، وأنشأ الخميني نظاما ثيوقراطيا متشددا. وللحقيقة فإن حركة مجاهدي خلق ربما الطرف الأول الذي حذر من هذا النظام وأول من تنبأ بتحويل إيران إلى دولة دينية، وأعلنت بشكل واضح أن الكفاح المسلح هي اللغة الوحيدة التي يفهمها نظام الخميني. خصوصا أن النظام كان هو من بدأ في عمليات اغتيال واسعة ضد الحركة فقد قام حزب الله الإيراني التابع للخميني بمهاجمة مراكز ومكتبات ومنابر تابعة للحركة في شهر شباط /‏فبراير 1980.

ظاهريا أعلن نظام الملالي إبعاد النفوذ الأمريكي ولكن ماذا تحقق من الوعود الكثيرة التي وعدت بها الثورة الإسلامية.... لا شيء. فقد وعدت الثورة بزيادة الحرية السياسية، ولكن الحرس الثوري والميليشيات التابعة للنظام بدأت منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تعد على الناس أنفاسها، أما المساواة الاقتصادية فقد بقيت حبرا على ورق، بل على العكس من ذلك فإن النظام الإيراني خلق اقتصادا موازيا ليس عليه رقيب أو حسيب ويتبع مباشرة إلى الولي الفقيه سواء كان الخميني أو علي الخامنئي. هذا الاقتصاد لا يدفع الضرائب وهو خارج سيطرة الدولة أو لنقل المؤسسات التقليدية للدولة الحديثة. النظام الإداري في الدولة مؤسس بشكل هرمي يجعل كافة الخيوط تنتهي في نهاية المطاف بالولي الفقيه، فهذا النظام يخلق الأتباع وأصحاب الثقة، وهو يستبعد أصحاب النزاهة والفعالية والكفاءة. أما الأقليات التي تكثر في بلاد هي أشبه بالفسيفساء، فقد عانت الويلات بعد مجيء هذا النظام، فعلى سبيل المثال فقد حرم الآلاف من فرص العمل والمعاشات التقاعدية والأعمال وفرص التعليم بسبب انتماءاتهم الدينية.

أما على الصعيد الخارجي فحدث ولا حرج فمنذ اللحظة الأولى التي وصل فيها نظام أيديولوجي أصولي إلى سدة الحكم وهو يضع نصب عينيه تصدير الثورة، وبمعنى أكثر وضوحا يريد أن يستخدم الأساس الأيديولوجي والإطار المذهبي حصان طروادة للهيمنة على دول المنطقة. لذلك ما إن انتهت حرب الخليج الأولى والكارثة التي أصابت منطقة الشرق العربي حتى بدأ نظام الملالي بالتوسع في تأسيس أذرع مذهبية إرهابية، مع أن هذا المشروع بدأت بذراته الأولى منذ بداية ثورة الخميني. وهكذا قويت شوكة حزب الله في لبنان أصبح يسيطر على البلاد هناك. وكذلك قويت شوكة جماعة الحوثي الإرهابية حتى دخلت في صراعات وحروب مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ثم قامت بانقلاب ضد الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ولا تزال تمثل عنصر عدم الاستقرار في اليمن. وجاءت المجزرة الكبرى في كل من العراق وسورية حيث ولغ نظام الملالي عبر حرسه الثوري وميليشياته بالدماء السورية والعراقية الطاهرة وحتى اليوم وهي لا تزال متورطة.

في الذكرى الـ40 لثورة الملالي، يجب التذكير أن هذا النظام كان وبالاً على منطقة الشرق الأوسط برمتها وكان عاملا من عوامل عدم الاستقرار والتدخل في شؤون الجوار وبدل التعاون بين دول المنطقة كرس هذا النظام الصراعات وعدم الثقة والأحقاد التاريخية. الأهم من ذلك أن النظام حول حياة الإيرانيين إلى فقر وفاقة وجحيم، وذلك جعله صفحة سوداء من تاريخ شعب عريق كالشعب الإيراني.

* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط

ramialkhalife@