-A +A
عبدالرحمن الطريري
يخوض مجتمعنا في جدل واسع حول الوطنية، وما هو التصرف الوطني في المواقف السياسية مثلا، ومن ذلك ما طرح عن الموقف من دول معادية للمملكة، وما هي مساحة الحياد التي لا تخرج عن السياق الوطني، وما يسم به أصحاب الحياد في القضايا الوطنية، الأطراف الأخرى بأنهم شخوص مزايدون في الوطنية.

وبغض النظر عن وجهة نظر كل طرف، فإن هذا الجدل تتضح فيه جليا تأثيرات الصحوة، التي كانت تعطي لرموزها الحق في منح صكوك الغفران، بل والوصول في أحيان لإخراج الآخرين من الملة، بما يشبه في إحدى صوره تفسيرات ولاية الفقية، لما للمرشد من سلطات إلهية.


ونتج عن هذه الممارسات انتهاك لمسلمات وطنية، بالشكل الذي لا تقبله أي دولة، من ذلك عدم احترام العلم، وعدم الوقوف احتراما للسلام الوطني.

ومن أعظم الممارسات الوطنية، هي الدفاع عن الوطن، وهو ما يقوم به الجيش السعودي على الجبهة، وما يرقبه حرس الحدود، وما يقوم به رجال الشرطة من استتباب للأمن، وما قامت به عدة أجهزة أمنية من رصد لعمليات إرهابية، ومنع كثير منها بعمليات استباقية.

وذهب من أجل ذلك العديد من الشهداء، قدموا أغلى ما يملك الإنسان من أجل حماية وطنهم، وتصدوا لأجندات استهدفت أمن واستقرار المملكة، والنيل من مواقف المملكة الراسخة من القضايا العربية والإسلامية، وهو ما يتعرض لهجمة تشويه إعلامية من عدة دول لا تتمنى الخير للمملكة عبر التاريخ، وزاد بالطبع حنقها وهي ترى أبناء المملكة يسيرون نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة.

والمملكة قدمت شهداء تخضبت بدمائهم أرض فلسطين في معارك 1948 وعدة معارك لحقتها، وقدمت شهداء في معركة تحرير الكويت، دفاعا عن جار عربي، وكذلك قدمت شهداء ضمن درع الجزيرة، الذي أحبط المشروع الإيراني في البحرين.

وقدمت كذلك شهداء في معركة الكرامة والتصدي للحوثيين في 2009، وكذلك في معركة عاصفة الحزم وإعادة الأمل، لدعم الشرعية في اليمن والتصدي للمليشيا الانقلابية.

ولأن السعودية رأس حربة في محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه ومصادر تمويله، فقد كانت المعركة الكبرى داخل المملكة، وقدمت المملكة العديد من الشهداء في عدة أعمال إرهابية، لم تستثن في دناءتها لا حرمة رمضان ولا حرمة المسجد النبوي.

وتقوم الدول بعدة ممارسات لترسيخ تضحيات جنودها عبر الأجيال، وبث الروح الوطنية فيهم، ففي بريطانيا نجد الجميع في شهر نوفمبر، يضعون زهرة الخشخاش على البدل والفساتين لإحياء ذكرى المحاربين في الحرب العالمية الأولى، واختير دير وستمنستر ليحتضن نصب الجندي المجهول، ووضعت الولايات المتحدة جنديها المجهول في مقبرة أرلينغتون قرب العاصمة، أما فرنسا فوضعت النصب في باريس تحت قوس النصر.

وفي المملكة اليوم يجب أن يكون هناك متحف للشهداء، على الأقل في المدن الكبرى، يكون على برنامج زيارات أي وفد قادم للمملكة، ويزوره طلبة المدارس الابتدائية، لمعرفة مواقف المملكة التاريخية، والتي لم تقدم فيها المال فقط، كما يهدف بعض الخصوم لحصر دور المملكة في الدعم المالي، بل يعرض لما قدمته المملكة من الدماء والشهداء.

متحف الشهداء والتعريف بتضحيات المملكة خطوة مهمة يجب أن تكون ضمن إستراتيجية شاملة لتعزيز الروح الوطنية لدى الأبناء، وتعريف المحيط العربي والإسلامي بأدوار المملكة ومواقفها الثابتة، في زمن سادت فيه المزايدات وتزوير التاريخ.

* كاتب سعودي

Twitter: @aAltrairi

Email: me@aaltrairi.com