-A +A
علي بن محمد الرباعي
أكثر الشعوب شغلاً، هو الشعب الذي يظهر للشغل أثر على حياته، وعلى مستوى وعيه وإنتاجيته، وإنجازاته. هناك شعوبٌ تدَّعي أنها مشغولة وليس لديها وقت، ومستعجلة دوماً إلا أن دواعي وأسباب الانشغال والاستعجال شكلية أو لا قيمة لها بحكم أن ما يوصف بأنه شغل ليس شغلاً بالمعنى الإيجابي.

يبدأ يوم البعض من وقت أذان الفجر، فتجده يتوضأ على عجل، ويصلي وفي ذهنه عشرات الأفكار والالتزامات، بدءاً من الانطلاق إلى وسط المدينة لإحضار الفطور، مروراً بالصراخ على الفوال والتمَّاس كونه مستعجلاً، وليس انتهاءً برفع الصوت على سيدة المنزل لإحضار الشاي وفرش سفرة الإفطار فالرجَّال عنده شغل.


كم نسمع عبارة (مشغول) و(والله ماني فاضي)، والقائل لو تتبعنا مسيرته الحياتية والعملية فلربما لا ينجز الكثير من المعاملات ولا يخدم نفسه ولا مجتمعه بصورة مثالية ولا يؤدي كافة الواجبات المناطة به على أكمل وجه، إلا أنه عجل في الشارع، ومتذمر من التعطيل، ومؤهل للعراك، فالرجَّال عنده شغل.

البعض ممن يدخل هذه الدوامة المزمنة والمتوارثة أكثر الناس هدراً للوقت إما طبيعةً أو تطبعاً، ومثل هذه الشخصية المركبة تجيد التمثيل، ولو توقفنا معها وحسبنا وقتها بالدقيقة لوجدنا أن الغالب الأعم استهلاك للزمن بالتيه والفراغ العاطفي والمعرفي.

هل سألنا أنفسنا كم نستهلك من وقود في مركباتنا ؟ وكم ندمِّر من خلايانا وأعصابنا بالانفعال الزائد عن الحد ؟ فكل منَّا ذهنه مسكون بالحلال والعيال والدوام ومقاضي البيت والفواتير، ومتى ينزل الراتب ومتى طلعة البر أو نزلة تهامة، مع التمسك بادعاء الانشغال بما ليس هو الشغل، إذ الشغل هو معالجة الإشكالات وليس الاستسلام للدوامة.

السؤال الذي يفرض نفسه: هل بالإمكان مع التحولات التي نمر بها تتغير ثقافتنا تجاه الوقت ؟ فالبعض يرى أنه كائن ناجح وإنسان مثالي بادعاء الشغل وإظهار عدم الفضاوة، ولكنه يغفل أن هناك مئات ألوف من أوادم يسهمون في خدمة البشرية وينجزون يومياً للإنسانية من المخترعات والكشوفات ما لا يحصى دون صخب ولا عجلة، بل ترتيب وهدوء ناجمان عن وعي، واحترام حقيقي للوقت. بعضنا يقول «ما عندي وقت»، وهو لا يعلم أنه عنده فائض وقت يعبث به.