-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
صدق من قال: التمس لأخيك عذرا من سبعين، فكم من أواصر قربى وأرحام قد قطعت، وكم من صداقات حميمة تفسخت، لأننا لم نتريث، وأطلقنا لردود أفعالنا العنان، فساء ظننا بأقرب الناس إلينا.

كلنا -إلا من رحم ربي- يقع في هذا الفخ اللعين، فإذا تأخر صديق أو قريب عن موعد أسأنا الظن به، وقلنا إنه لا يحترمنا ولا يقدرنا، ولم ندع لأنفسنا فرصة للتساؤل: ربما عرض له عارض، ربما نسي لكثرة مشاغله، ربما...، ربما...، وسقنا سبعين «ربما». هنا سنجد أنفسنا صافية لم تتعكر، بل ولتسارعنا للسؤال والاطمئنان على هذا القريب أو الصديق، ولعرفنا عذره وسبب عدم مجيئه.


قس على هذا كثيرا من معاملاتنا مع الآخرين في دوائر العمل، وفي العلاقات العائلية، إذ ما أسرع أن نصدر أحكاما انفعالية، الأمر الذي يفسد الود بين الناس.

تخيل معي -أخي الكريم- لو أنك بحثت عن سبعين عذرا لقريبك أو لصديقك، لتبرير موقف، أو سلوك بدر منه، يبرر للوهلة الأولى بما لا يروق لك، مع أنك يمكن أن تتصرف بنفس السلوك إذا كنت في موقفه.

لا يمكن للحياة أن تستقيم وكل منا يتربص بالآخر، منتظرا منه هفوة أو سلوكا، كي يقطع أواصر علاقات حميمة، تربط بينك وبين هذا الآخر منذ سنوات، بل منذ الطفولة البريئة.

كثير من الناس يرى بأنه له الحق أن يُسأل عنه ولا يَسأل، كالذي تعود على أن يتصل عليه شخص قريب أو صديق بشكل مستمر، فيقوم بزيارته فيتعود على هذا البرنامج، وفجأة تجد هذا المسكين قد انقطع اتصاله وزيارته دون أن يكلف الآخر نفسه بالسؤال عنه ومعرفة ماذا جرى له؟، العجيب تجد أنه هو المتذمر عن انقطاعه عن السؤال.

وهذه من الأشياء التي يجب على المسلم الحق ألا يعود نفسه عليها بأن يكون متصلا عليه ومزارا دائما، دون أن يزور أو يسأل ويبرر الأعذار، فكم من منقطع أمضى فوق السرير من علة به! أو أثقله الدين وعمه الهم فكدره، وجعله ينقطع بما حل به.

فالجميع يجب أن يتصف بالصفات الإسلامية الإنسانية التي تراعي جميع الحقوق المطالبين بها، ومنها حق العذر والاعتذار.