-A +A
محمد الساعد
لطالما انفردت الشخصية المصرية داخل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالاستقلالية والقيادة، بل واحتفظوا طوال ثمانين عاماً بمنصب المرشد العام ومكتب الإرشاد منذ أن أسس التنظيم «حسن البنا الساعاتي» أوائل القرن الماضي لليوم، وكانت علاقتهم مع التنظيمات الفرعية في العالم أقرب ما تكون علاقة السيد بخادمه، إلا أن كل ذلك تغير تماماً.

حتى عندما اتحد تنظيم «الجهاد» الذي يقوده الظواهري ذو المرجعية الإخوانية مع تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن -وهما من الأذرع العسكرية لتنظيم الإخوان- كان الهدف إبعاد عبدالله عزام عراب أسامة بن لادن عنه والسيطرة على تنظيم القاعدة من داخله كونه الأغنى والأكثر حضوراً لدى جماهير المتطرفين. وهذا ما حصل بالفعل. فقد كانت القيادة المالية والتنظيمية والعسكرية بيد المصريين داخل القاعدة، ولم يكن بن لادن سوى صورة «كريزماتية» مقصودة للتأثير في الممولين من دول الخليج وتعظيم حضوره وتأثيره على أتباعه في السعودية واليمن.


استمرت هذه السيطرة للمصريين داخل التنظيمات الإرهابية واحتفاظهم بمفاتيح اللعبة فيها لعقود طويلة، قبل أن يدخل على الخط ما لم يكن في حسبانهم -المال الخليجي- الذي أتي معظمه من الكويت وقطر، الكويت بالطبع تبرعات مباشرة، أو من عوائد المحافظ و«بيوت التمويل» الموجودة منذ الستينات الميلادية، أما القطرية فهي عبارة عن تمويل مباشر من مخابرات الدوحة.

المال «القذر» الذي تسرب إلى داخل مفاصل التمويل أصبح هو الصوت الأعلى وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وبعد سنوات من الممانعة ومحاولات الإخوان المصريين الانفراد بالمراكز القيادية همش دورهم تماماً، وأصبح عضو كويتي أو قطري أهم من المرشد ونوابه في مصر.

في الطريق للسيطرة على التنظيم حجم دور وتأثير المرشد العام للإخوان داخل مصر خاصة بعد أزمة التنظيم الأخيرة في مصر وتحولهم من منقلبين على الحكم الشرعي إلى مطاردين ومقبوض عليهم في قضايا إرهابية، وصعد بدلاً منه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المقيم في الدوحة، هذا الاتحاد هو عبارة عن مجلس إدارة سياسي دولي للتنظيم يسعى لتأسيس حكومة عالمية للإخوان.

اكتمل الانقلاب بإزاحة يوسف القرضاوي عن منصبه بعدما أصابه الخرف وتحول الى مجرد «رمز» للتنظيمات الدولية جميعها، القرضاوي الذي تفانى في خدمة القطريين مفتياً لهم وداعماً لأجندتهم السياسية والانقلابية في العالم العربي لم تشفع له تلك الخدمات ولم يبقوه حتى يتوفى تكريماً له حسب ظنه.

التغيرات في خارطة العالم السري للتنظيمات العابرة دفعت المخابرات الدولية لتكليف الدوحة بإدارة التنظيم الدولي والسيطرة على التنظيمات الفرعية، الاستبدال في هيكل التنظيمات حاول تلافي الخلافات بين الأجنحة المتصارعة، فتم تعيين أحمد الريسوني -المغربي- لإبعاد الحساسية بين إخوان مصر وسوريا وهما الجناحان المتصارعان دائماً داخل التنظيم، والريسوني هو أيضاً ليس سوى محطة في الطريق نحو شخصية تركية يتم تهيئتها وسيتم تعيينه ليكون رئيس الاتحاد العالمي لتكتمل سيطرة الأتراك في سعيهم نحو إعادة الاحتلال العثماني للعالم العربي.

المصريون في التنظيم الإخواني أعربوا عن امتعاضهم عبر تلميحات وتسريبات متعددة إلا أن أكثرها وضوحاً جاء من خلال مقطع فيديو لوجدي غنيم أحد الصقور المتطرفة الذي شن هجوماً لاذعاً على الدكتور الريسوني ومن رشحه ووضعه في ذلك المنصب، متهماً إياه بمصالحة الصهيونية العالمية وتعويم إسرائيل ودعم المصالحة معها، بالطبع لا وجدي غنيم ولا من وراءه قضيتهم إسرائيل إنما إحساس «الأعضاء المصريين» بخروجهم من اللعبة التي تعدت أهداف «المقطم» في حكم مصر إلى بعد أوسع تدير مشهده قوى عظمى وإقليمية، يبدو أن التنظيم الأساسي في مصر لن يبتعد دوره عن كونه فرعاً في مدينة نائية داخل تركيا، فهل سيقبل الإخوان المصريون سرقة التنظيم من أيديهم أم سينقلبون على الانقلاب القطري التركي؟

* كاتب سعودي