-A +A
محمد آل سلطان
ربما تكون صناعة السينما في المملكة تحتاج إلى وقت لا يقل في أحسن الأحوال عن 10 سنوات في تقديري من العمل الجاد وتكامل مفردات وجزئيات الصناعة نفسها، حتى تخطو فقط خطوتها الأولى نحو صناعة سينما سعودية متكاملة تلقي الضوء على التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي طالت المملكة خلال 100 عام تقريباً، شكلت فيها التجربة السعودية منذ التوحيد على يد المؤسس العظيم التجربة الأبرز والأشد تأثيراً في المنطقة العربية والشرق الأوسط ومن التجارب العالمية الكبرى في القرن العشرين، علاوة على أن وجود صناعة سينما متكاملة يسمح عبر أنماط الفن السابع وتأثيراته باستكشاف ورصد نبض الحياة ومستقبلها في الأيام المقبلة !

وحتى نستدرك الزمن المهدور في رصد أنماط التحول والتغيير والتطور في تجربة المملكة العربية السعودية على كل المستويات، ينبغي ألا ننتظر قيام صناعة سينما سعودية متكاملة حتى ولو كنا نعمل على ذلك، فلربما يكون وقتها الزمني قد فات والشهود والرواة قد ماتوا والحياة قد تحولت وانقطعت عن تاريخيتها وسيرتها الأولى !


الوثائقيات هي الحل.. نعم هي الحل لحفظ ما تبقى من تاريخ مواقف وتحولات ورجال صنعوا تجربة السعودية الحاضرة سلماً وحرباً السعودية المتوثبة للمستقبل الزاهر بحول الله.. ينبغي على وزارة الإعلام أن تبتعد قليلاً عن العمل الكلاسيكي وتركز على الإنتاج الوثائقي وتدعم المؤسسات العاملة فيه، لرصد التجربة السعودية صوتاً وصورة واستحضارها من الموسوعات العالمية التي سجلت بعض هذه التحولات ورصدتها، ومن أضابير وملفات الوزارة نفسها والصحافة المحلية والعربية والعالمية ومن شفاه الأحياء الباقين الذين كانوا شهداء وحاضرين على التاريخ وأزماته وتحولاته ومنجزاته وانكساراته..

ولا يكتفى بالإنتاج الوثائقي التاريخي فقط بل توثيق المرحلة الحالية وتحولاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي تسعى فيها السعودية لخلق نهضة كبرى على كل الأصعدة تكون فيها بلادنا رافعة سياسية واقتصادية لكل منطقة الشرق الأوسط، وبنظرة شمولية عالمية قائمة على تشابك المصالح معها حتى إذا عطست هي أصيب العالم بالزكام !

كل الدراسات تشير إلى أن الزمن القادم للإعلام هو زمن الصورة والفيديو، والسعودية لديها قصتها الكبرى التي لم ترو بعد ! لكل ملك فيها قصة.. ولكل نشاط فيها حكاية.. ولرجالها وأبطالها ومسؤوليها وتجارها.. إلخ رواية لم نسمعها من قبل وماتت وستموت بموتهم !

السعودية بمعارك التأسيس والوحدة وبحروبها وبملوكها وأمرائها ووزرائها ورجالها وقادتها وناسها وأيضاً ببترولها وكهربائها واقتصادها ومياهها وفي كل مجالاتها وحواضرها وباديتها وبعلاقاتها الخارجية، لم تفصح بعد عما في جوفها من الأسرار والحكايا والمواقف المشرفة، وأخشى أن يأتي أجيال يبحثون عن تلك القصص والروايات فلا يجدون سوى روايات مشوهة كتبها الأعداء !

ربما أضعنا زمناً طويلاً في التحفظ وفي عدم وجود نظام للإفصاح والإبانة لدرجة أننا فرطنا بتاريخ أكثر من 100 عام، كان لا بد أن ننقله صوتاً وصورة في وثائقيات تعد باحتراف ويكون لها لجانها العلمية والسياسية وفي كل مجال، لإخراجها على الملأ ولحفظ التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحربي لبلد كبير مثل المملكة العربية السعودية.. أحسب أن هذا الإنتاج الإعلامي الوثائقي يعوض ولو جزءاً من قصور صناعة السينما لدينا وربما يخلق لها مادة ومحتوى عندما تنطلق في المستقبل، فالوثائقيات تظل أصولاً إعلامية لا يمكن أن تذبل أو تموت مثلما يذبل إنفوقراف أو تغريدة عابرة في وسائل التواصل الاجتماعي !

* كاتب سعودي