-A +A
خلود الشايع
يشكّل العمل الوظيفي، استقرارًا مهنيًا، وأمانًا حياتيًا، واطمئنانًا نفسيًا للعاملين من الجنسين على السواء؛ فمن خلاله، يبني موظفو الدولة المدنيون، من القطاعين الحكومي والأهلي، حياتهم وحياة أسرهم وعوائلهم، حاضرًا ومستقبلاً. وبدورهم يتفانى هؤلاء العاملون إخلاصًا لمؤسّساتهم، وإتقانًا لتنفيذ المهام المنوطة بهم على أكمل وجه منشود، مُتَحلين بالأمانة، والمسؤولية، وملتزمين بمواثيق وأخلاقيات العمل في هذا الخصوص.

على الجانب الآخر؛ تُعنى جهات مسؤولة بأعمال هؤلاء الموظفين، ورعايتهم وحمايتهم والحرص على تطوير أدائهم وصقل خبراتهم وإكسابهم المهارات الوظيفية اللازمة، تشاركًا، وتدريبًا وتأهيلاً؛ لتحقيق المعادلة الوظيفية كاملة العناصر والأطراف؛ وصولاً لتحقيق البيئة المثلى للعمل ومخرجاتها من الموظفين والموظفات المتميزين والأكفاء.


وذلك يتطلب بعض المهام من المسؤولين وقيادات الإدارة التنفيذيين، الذين يقودون منظماتهم بنجاح نحو تحقيق المعادلة الصعبة في الإدارة، ويسعون بكل شفافية وبكل ما أوتوا من حكمة للإسهام في خلق بيئة عمل ملائمة ومناسبة، ومستدامة لتقويم الأداء، وتحقيق الإنجازات، ومضاعفة الإنتاج من خلال العناية بإبراز المواهب والقدرات؛ ما يجعلهم يضحون بالغالي والنفسي من أجل منظماتهم: فضلاً، وإخلاصًا، ووفاءً؛ وفقًا لمعايير معروفة، ومتفق عليها عمليًا ومتعارف عليها نظامًا، وهنا لا يثير الفخر بهم، أو حتى تكريمهم، حفيظة أحد، أو تحفظه، أو إثارة أية أسئلة إنما على العكس من ذلك، فإنهم يستحقون التهنئة ودعوات النجاح الصادقة من الجميع.

على الجانب الآخر؛ لا نغفل في الوقت نفسه، أن هناك أيضًا، ألقابًا كبيرة من التميُّز والنبوغ، والإبداع، قد تُمنح مجانًا وبلا حدود أو قيود، وفقًا لمعايير غير واضحة، مخالفة للطبيعة البشرية السوية، عنوانها الأبرز الوساطة والمحسوبية والمحاباة والعلاقات الشخصية..!

وبدلاً من أن يكون هذا المسؤول -اللا مسؤول- مُلهمًا لموظفيه؛ لإنجاز جميع الأعمال والمهام المنوطة بهم وتنفيذها بصورة منضبطة ومحكومة بأهداف وقيم المنظمة، ويضع لها سياسات وإجراءات واضحة تحدد ضوابطها وترشّد مسارها، لتحقيق العدالة في ما بينهم؛ نراه يحوّل بيئة عمله إلى بيئة طاردة تسودها أجواء غير طبيعية، خيانةً لأمانة المسؤولية المنوطة بهم، ليسطوا على أفكار مرؤوسيهم ومبادرات المبدعين منهم، ليتسلّقوا على أكتاف هؤلاء المجتهدين، الذين سهروا الليالي وقدحوا زناد التفكير، أملاً في ترقية جيدة؛ أو رغبةً في ابتكار متميز لمشروع أو مبادرة غير مطروقة، أو تنفيذ خطة عمل مبتكرة حصريًا لإدارته.

ويأبى سارقو أفكار غيرهم، ومشاريع ومبادرات مَنْ يلونهم في المسؤولية والعمل إلا نزع أحلامهم، ويتركونهم للشعور الشديد بالظلم، وكافة أشكال القهر والاضطهاد، بل وأسرى الأمراض التي تنهش أنفسهم قبل أجسامهم، لينهوا بتصرفهم على أحلامهم تمامًا في رؤية غدٍ مشرق وواعد. وما درى هؤلاء المسؤولون أن مَنْ يستحلَّ الفكرة/المشروع/المبادرة ويسطو عليها، وينسبها لنفسه ويغمط صاحب الحق فيها ويجحد جهوده؛ يسرق المال العام دون غضاضة، ودون أن ترف لهم عينٌ سواءً بسواءٍ!

ويحق لنا أن نتساءل بموضوعية: ما علاقة أمانة المسؤولية المنوطة بالسطو على أفكار مرؤوسيهم؟ وكيف يتجرؤون ويدّعون أنهم أصحاب هذه الأفكار أو المبادرات، التي لا يملكون فيها حقًا ولا صياغة ولا حتى خيالاً؟! ومَنْ يحمي هؤلاء المستهترين؟ وكيف اطمأنت أنفس هؤلاء الأدعياء، وتجرَّأوا زورًا وكذبًا وبهتانًا لتحدي أنظمة العمل ولوائحه في ما يخص الملكية الفكرية لأصحاب الحق الأصيل؟ وهل يحق لمن استؤمن أمانة هذا العمل، وحاز الثقة أن يخرج أمام الجميع ليستحقر مرؤوسيه، ويسطو على أدنى حق من حقوقهم، وهو حرية التعبير والإبداع دونما رادع ودون مساءلة؟!

وأقول: كفى لسارقي الحقوق عقابًا شعورهم النفسي بالخزي الذي يلاحقهم أبد الدهر، مشفوعًا بالضعف وبنجاحات متوَهَمة، زائفة، جنبًا إلى جنب مع وعيد المولى -جلَّ وعلا- لهم دنيا وآخرةً لهم: «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».

ومن هنا أدعو أصحاب القرار، نحو سن إجراءات تساهم في ردع مثل هؤلاء المتاجرين بحقوق غيرهم، الذين لا يأبهون بأية حقوق خاصة أو عامة، وبحث تأسيس منظمة أو جهة رسمية من شأنها المحافظة على حقوق الملكية الفكرية للموظفين جنبًا إلى جنب المؤلفين والمدوّنين، إلخ، لحماية حقوقهم وأفكارهم ومبادراتهم، وكذلك دعمهم وتقديرهم من خلال تسجيل هذه الأفكار، والابتكارات وتفصيلها مع الجهات المختلفة حسب الفكرة والابتكار كُلٌ في مجاله واختصاصه؛ ردعًا لمثل هذه الممارسات في المجتمع الوظيفي.