-A +A
بشرى فيصل السباعي
في الواقع كما في العالم الافتراضي يحصل أن يصل إنسان لقرار اعتزال الناس، وهذا يتضمن حالياً التوقف عن التواصل هاتفياً والتفاعل معهم عبر مواقع التواصل، فيتساءل الناس عن سبب هذا التغير المفاجئ، بينما لو كان اهتمامهم ومعرفتهم به وبحاله حقيقيين لأدركوا أنه لا مفاجأة في هذا القرار الذي غالباً سببه الوصول لحد التشبع وعدم إمكانية تقبل وتحمل المزيد، ويسمى هذا الحال في علم النفس بـ «الاحتراق النفسي»، ودائماً هناك قشة تقصم ظهر البعير، وبعد مرحلة القشة القاصمة والتشبع من كل الزيف والتمثيل الذي تتسم به غالب العلاقات، يصل الإنسان لمرحلة لا يعود فيها قادراً على متابعة تمثيل دور المتواصل المتفاعل الإيجابي مع الجميع برغم كل ما تعرض له من إساءات وخيانات، عندها ولأن مثالياته حقيقية يعتزل الناس، خاصة وأن طاقته النفسية استُنفدت، وقد تكون بعض علاقاته لا تستحق حتى ما تستنفده من طاقته النفسية بسبب طبيعتها وبسبب سلبية أصحابها، والأفضل أن يوفر طاقاته لما هو حقيقي ومفيد بحق، بينما من هو بلا مثاليات حقيقية عند وصوله لمرحلة التشبع يتوقف عن زيف المجاملات ويبرر لنفسه أن يصبح على مثال الآخرين السلبي، لأنه يزعم أن هذه هي حقيقة الناس ولا يستحقون معاملتهم بغير النمط الوقح المؤذي، ومن المفارقات الكبرى في حياة الناس أنهم يقضون النصف الثاني من حياتهم في محاولة اعتزال ما جهدوا لتحصيله في النصف الأول من حياتهم، كما يقضون النصف الثاني من حياتهم في محاولة تجاوز وتناسي ما جهدوا على تعلمه وحفظه في القسم الأول من حياتهم، لأنه تبين مع النضج الفكري والجوهري أنه لم يكن حقيقياً، وهكذا تضيع أوقات وأعمار الناس، لكن هناك فئة أخرى يكون اعتزالها للناس بسبب شعورها بالانكسار والخزي مما تتعرض له في واقعها من سوء معاملة وإهانة، وهذا يحصل أكثر شيء مع النساء، ولأجل مثل هذه الحالة يجب أن يتفقد الأهل والأصدقاء حال من قطع علاقاته بهم حتى لا يساهم هذا الانقطاع في تعزيز سيطرة المسيء واستفراده بالضحية، أو قد يكون الانقطاع نتيجة الخجل من ضعف المستوى المعيشي، وعموماً لا يوجد أبداً سبب بسيط لقطع الإنسان لعلاقاته وتفاعلاته مع الآخرين، فدائماً السبب معقد وليس بطارئ ولا مفاجئ، إنما تراكمي نتيجة تراكمات سابقة طويلة الأمد، ومن يحب المنقطع ويهتم لأمره بحق يفترض أن يحاول معرفة الأسباب العميقة للانقطاع ويراجع نفسه بالنسبة لطبيعة العلاقة، ثم يحترم رغبة الآخر وخصوصيته.

* كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com