-A +A
أريج الجهني
طرحت في المقال السابق «مؤامرة هروب الفتيات» قضية رهف وكيف تفاقمت هذه القضية في أقل من 48 ساعة، وكيف استبشرت بها وسائل الإعلام وكأنها فتح جديد، رغم صعوبة ما حصل سواء للفتاة نفسها أو للمجتمع بين جيل جديد لا تعلم لغته واهتماماته، وبين الأهالي والآباء الذين أقلقهم أن يروا أطفالهم يكسرون طوق الأسرة ليخرجوا لعالم مظلم ومجهول دون حماية.

تساءلت في المقال المشار إليه أعلاه «هل الهروب مؤامرة خارجية أم شأن عائلي»، ووجدت من خلال تصويت طرحته للقراء أن أكثر من 40% يعتقدون بأنه مؤامرة خارجية، وبقية النسب توزعت بين الشأن العائلي أو اعتباره حالة فردية، وحتى نكون أكثر مصداقية مع أنفسنا بالتأكيد توجد مؤامرات خارجية وأعداء هذا الوطن لا ينفكون عن الترصد لكل ما يخص أمنه واستقراره وأهم ركيزة في أمان أي مجتمع هي الأسرة، لكن بالمقابل هل نحن كمجتمع منفتحون لمناقشة قضايانا المجتمعية بحس أكثر شفافية؟


لا جديد هنا عندما نقول كيف أثرت وسائل تواصل التواصل الاجتماعي على حياتنا، هذا أمر أصبح من المسلمات علينا أن نتفق على هذا، لكن هل نحن فعلاً قريبون من لغة الجيل القادم؟ قد نستخدم جميعنا أدوات التواصل ذاتها لكن اللغة بيننا مفقودة، هاشتاق «إسقاط الولاية»، لعله من أكثر الهاشتاقات جدلاً في تاريخ تويتر بالنسبة للسعوديين والمهتمين بالشأن السعودي.

السؤال «هل فشلت حملة إسقاط الولاية؟»، لا أحد يعلم! فهذه الحملة حملت أطواراً عدة وأسماء مختلفة وعديدة لعل أغلبها للآن أسماء ومعرفات مجهولة، لكن هل بالفعل كانت مطالبهم غير مسؤولة أم أن لديهم الحق في بعضها أو مجملها؟ هل استمرار هذه الحملة جاء لإيمان حقيقي من أصحابها بقيمتها، أم أنها موجة لا تختلف في تطرف بعض نصوصها عن الخطابات الصحوية في حقبة من الزمن بلغتها الحادة والعنيفة والإقصائية لكل من لا يتفق معها؟

قبل أن أكمل تحليلي لهذه الحملة، من المهم القول بأنها بشكل أو بآخر ساهمت في رفع الوعي بشكل ملحوظ بقضايا المرأة وقدمت معلومات كثيرة ومتنوعة للمتلقي بجانب الحس الناقد الفكاهي الذي تميز بالسخرية من أفكار مغلوطة عن النساء، وأظهرت هذه الحملة فتيات مجتهدات أثبتن جدارتهن وقدرتهن في النقاش بعقلانية ورقي وقدمن أفكاراً مقدرة في تحسين حياة النساء، لكن أين كان الخلل الذي حدث وجعل البعض يطلق عبارات نابية ضد الحملة ومؤيدها كتسميتهم بمسميات مبتذلة؟ وهل أثرت هذه الحركة بشكل مباشر أو غير مباشر على الصورة الذهنية للفكر النسوي؟

بكل حال هي أظهرت احتقاناً شعبياً واسعاً ضد مفهوم النسوية، مما يجعلنا نفهم وجوم البعض من الباحثات من تسميتهم بالنسويات (سبق أشرت لهذا في مقال سابق).

إن الخلل الرئيسي في هذه الحملة من ناحية تحليلية هو اللغة! نعم اللغة فالعبارة التي وضعت لهذه الحملة أو الحركة «إسقاط الولاية» جعلت الملف يقع ضمن قائمة المشبوهات، وبالتالي يصعب معالجته أو حتى تبني أفكاره بشكل معلن، بل الكثير حسب ما قرأت انسحبن من الحملة، فقط لتجنب الشبهة، وهذا أمر مفهوم من ناحية منطقية، فلا أحد يريد أن يخسر مكتسباته بسبب مفردة «إسقاط الولاية» مثل هذه المفردة تقفز على ثقافة مجتمع نتربى فيه بداخل أسر ممتدة (الجد والجدة والأخوال والأعمام) فتجعل البعض يرتاب من هذه الفكرة ومن ورائها.

نعم هذه تركيبة مجتمعنا في الحقيقة التي نحبها ونعتز بها، مفردة كإسقاط مفردة حادة وغير واقعية، كان من الأسلم على الأقل في بدايتها أن تستبدل بمفردة أكثر عملية وتهذيباً، كالنهوض بالفتيات أو معا للتمكين، وغير ذلك وكلمة الولاية أيضا كفيلة باستفزاز الأسرة، والولاية الحقيقية التي يفهمها السعوديون هي ولاية الحب والتقدير والاحترام، هل رأيتم ما مدى خطورة اللغة؟ فكلمة واحدة قد تجعلك تربح الحرب أو تنهزم.

بكل حال حققت هذه الحملة مكتسبات مختلفة ومن المعيب الانتقاص من هذا، بل ليس بالضرورة أن تكون وفق ما اعتدناه التنوع والاختلاف دليل صحة وتعافٍ من «العمى الفكري»، لكن تعقيباً على هذا الخلل اللغوي لعله هو ما يؤكد وجود أيدٍ خفية عبثت بجزء من هذه الحملة، وغالباً جهات لا تدرك ذهنية المواطن السعودي الذي قد يرى في أسرته كل الوجود، كما أن اعتقاد بعض الجهات الخارجية أنهم يستطيعون الضغط أو العبث مع الوطن من خلال هذه القضايا الداخلية اعتقاد طفولي وغير ناضج، فالإصلاحات المجتمعية انطلقت برعاية قادة الوطن عبر التاريخ، ارجعوا لتعلموا أن تعليم الفتيات تم فرضه في مجتمع غير متقبل في حينها، الاستهتار ومحاولة النيل من مكتسبات المرأة السعودية في الوقت الحالي رهان خاسر، ومحاولة التسريع لبعض القرارات قد يكون مفهوماً وله ضرورته لكن سياسة لي الذراع وتضليل العالم مرفوض، والأخطر استعداء الصحافة الأجنبية والعالم على وطنك.

عبثت الصحوة كثيراً في حياة النساء؛ لهذا أنا لا ألوم هنا الفتيات على الإطلاق في أي مواقف صدرت وكانت متطرفة «كما يراها البعض» أو كما أفرز هذا الكبت عبثية ولا مسؤولية، بجانب عبث الإخوان في حقبة من الزمن في تمييع الهوية السعودية وهوية الإنسان السعودي، على الفتاة الآن أن تعي هويتها كفتاة مستقلة وكفتاة سعودية وكفتاة منتجة أنتِ ثروة وذات قيمة، لا تهيني نفسك وكرامتك وكرامة وطنك بالجهل والتبعية، خلق تيارات نسوية متعددة وتيارات فكرية معتدلة هو المؤشر الحقيقي للنضج الاجتماعي من خلال عمل مهني متميز وجمعيات تتواءم مع رؤية الدولة 2030، قد لا يعول البعض كثيراً على الوعي، لكن أنا على ثقة أن الفتاة السعودية هي التي ستقود المشهد المجتمعي محلياً وعالمياً.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com