-A +A
محمد آل سلطان
جبلت النفس البشرية على الارتياح والفرح بما يرفه عنها الترفيه البريء والانشراح والتباسط على كل ما ينسيها ضغوط الحياة والعيش والعمل ويفيدها في ذات الوقت على معاودة العمل والانشغال بهمومها بنفسية أهدأ وذهنية أصفى.

والحق أن معظم إن لم يكن كل فعاليات الترفيه حظيت بإقبال كبير من فئات عدة من المجتمع السعودي، رغم اعتراض وتهويل المعترضين على فعاليات الهيئة والتي يمكن أن أقسمهم حسب فهمي إلى 3 أقسام:


الأول: إما أن يكونوا فئة لها فهمها الخاص في مبدأ الترفيه أصلاً في بلادنا وهؤلاء فئة على الأقل من حقهم أن يكون لهم فهمهم الخاص ولم ولن يجبرها أحد على الحضور والمشاركة ولا ينتظر أيضاً من هذه الفئة أن تفرض فهماً معيناً على غيرها من الناس.

الثاني: من يرون أن هناك مشاكل تنموية واقتصادية كالبطالة والإسكان.. إلخ، وهي أهم وأكبر من فعاليات الترفيه، وهم يرون أن الترفيه هدر مال ومضيعة وقت ! وهذه الفئة لا تدرك أن قطاع الترفيه اقتصادياً يعد في العالم أحد أهم القطاعات المولدة للوظائف وللناتج المحلي فيما لو أحسن العمل بالترفيه كصناعة ونشاط اقتصادي وسياحي كما هو معمول به في كثير من دول العالم، وعلى هيئة الترفيه من جهة أخرى أن تقنعنا وإياهم بالأرقام بالأثر الاقتصادي الذي حققته وستحققه من إيجاد نشاط يهتم بصناعة الترفيه.

الثالث: وأنا منهم وأدعي أنهم (الأغلبية) لا اعتراض لديهم على مبدأ الترفيه ولا الأثر الاقتصادي والوظائف المتولدة من هذا القطاع لو أحسن استثماره، إنما الاعتراض إما على خطة عمل الهيئة وصناعتها للنشاط الترفيهي والاقتصادي المأمول ونوعية الفعاليات المنضوية تحتها وجودتها، وإما على أسعار التذاكر الباهظة لمن لا يستطيعون أن يدفعوا التكاليف التي قد تجعلهم تعساء بقية الشهر لأجل حضور فعالية واحدة ! لذا سأبسط الحديث عن هذه الفئة التي أنتمي لها قطعاً، وأقول:

إن أخطر ما يمكن أن تمارسه هيئة الترفيه أن تحول فعالياته في بلادنا إلى نظام طبقي ونشاط نخبوي يستهدف النخبة فقط ويفرز المجتمع إلى من يملكون ومن لا يملكون قيمة التذاكر الباهظة للفعاليات !، الترفيه يا سادة ليس نشاطاً أو برنامجاً أرستقراطياً أو نخبوياً لا يستطيعه إلا الأغنياء بل ممارسة وحق اجتماعي لعموم الأفراد في المجتمعات والبلدان المتحضرة.. تجده متاحاً على شواطئها وفي ميادينها وأسواقها وقاعاتها ومسارحها.. إلخ، وحتى في الصناعة المحترفة للترفيه في العالم والتي تتوجه للنخبة مثلاً فإنها تتيح لطلاب المدارس والجامعات ولغيرهم من فئات المجتمع زماناً ومكاناً محددين لممارسة حقهم الترفيهي بالمجان أو بأسعار رمزية في هذه الأماكن النخبوية..

ولذلك قمة المأساة عندما يستطيع طالب أن يدفع تذكرة بينما لا يستطيع صديقه في نفس الفصل الدراسي دفعها ! لن أناقش فعاليات هيئة الترفيه التي بدأت واستمرت بها خلال الفترة الماضية ولا نوعية تلك البرامج فلربما لهم في ذلك وجهة نظر معتبرة ! ولن أتكلم عن النموذج الحالي لاقتصاديات صناعة الترفيه التي جاءت على طريقة المثل الشهير «من دقنو وافتله !» بمعنى تحميل كل التكاليف الباهظة للفرق والعروض القادمة من أقصى أو أدنى الأرض على «المترفه الميسور وحده» ! حتى وصل سعر الفرق في التذاكر إلى 5 أضعاف سعرها الأصلي ! ولن أسألها لماذا غاب المحتوى المحلي للترفيه ؟ ولماذا لم تساعده الهيئة أن يكون ممارسة أسبوعية في كل مدن ومحافظات المملكة ؟ ولماذا لم تضع معايير جودة نظامية أو اقتصادية متفاعلة مع المستثمرين في الداخل والخارج ؟

يسوؤني فعلاً أن يكون الترفيه بعد غياب طال أمده في جزر منعزلة زماناً ومكاناً عن قلوب ومتناول الناس ! وأن يتركز الجهد في أن ننتظر فرقة استعراضية من هنا وهناك ليكتمل مزاج الترفيه على أن ندفع لحضور تلك الفعاليات أضعاف ما يدفعه المرفهون الميسورون عند سفرهم للخارج !

وفي رأيي أنه ما لم يكن هناك خطة عمل لجعل الترفيه عادة مجتمعية متاحة وغير مكلفة للعائلات السعودية فإن الهيئة لن تجلب للعموم من الشعب إلا مزيداً من التعاسة !

ولا أود لهيئة الترفيه أن تعمل كمكتب تعاقدات يخلط سمكاً بلبن بتمر هندي دون أن يدوّر الترفيه اقتصادياً ومجتمعياً ويوجد وظائف مستديمة تنبثق منه كقطاع يمكن أن يكون مصدر دخل آخر للقطاع العام والخاص وللعاملين في القطاع، ومصدر سعادة وترفيه لا ينتهي للنبض المخبوء بين شوارعنا في عروق البسطاء !

* كاتب سعودي

@dr_maas1010