-A +A
محمد آل سلطان
يدرك أبناء الشعب السعودي تمام الإدراك وبفيض منقطع النظير من الولاء والعهد أن الأسرة السعودية المالكة هي رمز وحدة هذه البلاد وقوتها واجتماعها، وأن لها في أعناقهم بيعة بها ومعهم وحد الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- معظم أنحاء الجزيرة العربية وأسس دولة كبرى في حدث تاريخي لم يتكرر منذ أكثر من 1000 عام إلا على يدي أبناء هذه الأسرة المباركة.

وكانت كل الدوائر المعادية التي تستهدف المملكة العربية السعودية، وطناً وشعباً وحتى غير المعادية تشير بشيء من الغموض لمستقبل الحكم في إحدى أهم دول العالم وأكثرها تأثيراً، خصوصاً في منطقة تساقطت فيها بعض الأنظمة وتغيرت بشكل دراماتيكي منذ الخمسينات الميلادية وحتى يومنا هذا، وظلت السعودية بقيادتها وشعبها واحة ليس للاستقرار والأمن والتماسك بل وللتطور والنماء والازدهار.


وفي العقدين الأخيرين كانت بعض دوائر الإعلام والاستخبارات المعادية للسعودية تشير بشيء من التشفي إلى أن الدولة السعودية البلد الصلب والكتلة النوعية التي تكسرت على حدودها كل مشاريع الفوضى شاخت ولديها معضلة كبرى في نقل الحكم من جيل الأبناء للأحفاد، وأن تردي الأوضاع في السعودية مسألة وقت لا أكثر! وعلى هذا ظلت الفضائيات تفتح برامجها والمقالات تدبج حبرها في أن الأسرة السعودية في أزمة حقيقية، وأنها تسير في طريق العقم أن تنجب قادة من أحفاد المؤسس العظيم يواصلون مسيرة الآباء في جعل هذا البلد وشعبه أكثر عظمة ومنعة وقوة.

كان الملك سلمان -حفظه الله- قبل توليه الحكم أمير الرياض العتيد المبجل ومستشار الملوك طوال أكثر من 50 عاماً وأحد أكثر العارفين بتاريخ الدولة السعودية حكامها وشعبها وقبائلها وأسرها وأعلامها وأنسابها، هو الرجل التاريخي الذي تعقد عليه الآمال في تجديد وتشبيب الدولة السعودية، ولذلك نثر كنانته، فكان الأمير الهمام محمد بن سلمان أصلبها عوداً وأكثرها همة ليقود مرحلة أخرى من تشبيب الدولة واختيار قادة شباب من الجيل الثاني للأسرة المالكة الكريمة تحت عيني ونظر الملك الخبير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز..

يقول الأمير محمد بن عبدالرحمن نائب أمير منطقة الرياض الشاب أنه اختير مع مجموعة من الأمراء الشباب لحضور دورة تدريبية قاسية مع سمو ولي العهد -حفظه الله- مدتها ثلاثة أشهر لم يناموا فيها سوى ثلاث ساعات يومياً.

ثم بدأت المرحلة الثانية بضخ مزيد من الأمراء القادة الشباب المدربين كمستشارين في الديوان الملكي وفي إمارات المناطق وفي البعثات والمهام الخاصة ليمارسوا شؤون الحكم والدولة، وما هي إلا فترة قصيرة إلا ووجدت الدولة السعودية الشابة نفسها أمام خيارات عديدة من القادة الأمراء الشباب يساعدون الملك وولي عهده الهمام في بث هذه الروح الشابة في ثنايا الدولة، ويمثلون شعباً أغلبيته العظمى من الشباب ويتشوقون لخدمة وطنهم وشعبهم وقيادتهم..

وها هي الدفعة الأولى من هذا البرنامج الذي رعاه ملك الحزم والعزم وعمل عليه ولي عهده الهمام محمد بن سلمان تصل لمجلس الوزراء وتأخذ حقائب وزارية مهمة باستحقاق وتجريب لأقصى الغايات في ظل جيل الآباء وتحت نظرهم وتمازج مفيد للدولة والوطن بين الخبرة والشباب، إن التاريخ علمنا أن الدول إذا لم تحظَ بالقائد الخبير قد تشيخ وتهرم كالبشر، وأما إذا كان لديها قيادة خبيرة وبصيرة نافذة تقرأ المستقبل وتضع الصالح العام نصب عينيها فهي تظل في شباب دائم كلما تدفق في عروقها روح القادة الشباب وعزيمتهم في الوقت والتوقيت المناسب.

وما فعله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين في فترة قصيرة جداً على مستوى تجديد القيادة والثقة في شباب الأسرة المالكة الكريمة وفي إخوانهم من أبناء الشعب، يعد أحد أهم التحولات الكبرى التي سيسجلها له التاريخ بمداد من ذهب بصفتهم ضمان وحدة واستقرار ونماء هذا الوطن الغالي وهو يكرر تجربة الملك المؤسس عبدالعزيز -يرحمه الله- عندما هيأ أبناءه الشباب في سن مبكرة جداً لتولي قيادة المعارك وإدارة مهام الحكم وإيفادهم في الزيارات والبعثات الدبلوماسية في أنحاء العالم تحت نظره وبصيرته النافذة ليضمن أن يحافظ جيل الأبناء على هذا الكيان العظيم بأفضل مما يفعله الآباء، وهكذا هو بناء الدول والممالك الناجحة أن يحضر السابق للاحق الفرصة والتهيئة والتدريب في التوقيت المناسب حتى إذا سار الزمان والأحداث وجدنا وطننا وقيادتنا راياتها مرفوعة وسيوفها بارزة وسورها عاليا ومسيرة النماء والازدهار ماضية.

لا شك أن هذا التحول الذي قاده الملك سلمان أخرس كل التكهنات والمؤامرات التي نسجت وتردد صداها في وسائل الإعلام العالمي ومات كمداً وتميز غيظاً أن كل ما نسجوه من أوهام قد هوى تحت أجنحة دولة سعودية شابة يقودها ملك عركته السنين والتجارب التقط اللحظة التاريخية الفارقة بهمة وعزم لا يلين ولا يستكين.

* كاتب سعودي

dr_maas1010@