-A +A
طلال صالح بنان
تدخل الحرب الأهلية في سورية منتصف مارس القادم عامها الثامن.. ولا يلوح في الأفق حل قريب لعدم الاستقرار هناك.

لقد أثار عدم الاستقرار في سورية.. وما سببه من دمار للبنى التحتية للدولة.. والمعاناة المريرة للشعب السوري، وعدم الاستقرار الخطير لتوازن المنطقة، شكوكاً حقيقية حول مصير الدولة في سورية.


لم يكن ما حدث ويحدث في سورية فقط نتاجاً لاضطرابات بفعل ثورة شعبية، امتداداً لـ «سونامي» ما عُرف بثورات الربيع العربية 2011. لقد بدأ، ذلك «السونامي» في شكل ثورة شعبية عارمة على أنظمة حكم أصاب بعضها التخشب والتيبس، بفعل عدم قدرتها على مجاراة حركة التاريخ.. واستمرائها الاستبداد والفساد. إلا أن ذلك لم يَحُل دون أثر سريع ومباشر لثورة مضادة، وجدت جذورها ومحفزاتها، إقليمياً ودولياً.

في حقيقة الأمر: ما حدث في سورية، كما هو الحال في معظم بلدان الربيع العربي، يعكس إلى حدٍّ كبير أطماعاً إقليمية ودولية في إقليم الدولة السورية، تغلبت على إمكانات النظام العربي في الحفاظ على أهم أعضائه وقد يكون أخطرها استراتيجياً على الأمن القومي العربي.

إسرائيل لا تخفي أطماعها في الأرض السورية، آية ذلك استمرارها احتلال الجولان.. وإعلانها ضمها من جانب واحد بداية ثمانينات القرن الماضي. إيران التي مكنها الغزو الغربي 2003 من بسط نفوذها على العراق، وجدت في عدم استقرار سورية فرصة لامتداد نفوذها الشيعي في الهلال الخصيب من بيروت إلى بغداد مروراً بدمشق. لتتم لها محاصرة العالم العربي من الشمال، وليكتمل ذلك الحصار جنوباً بإحداث انقلاب على الشرعية في صنعاء من قبل مليشيات الحوثي.

الأكراد، سواء في العراق أو إيران أو تركيا، رأوا في عدم الاستقرار في سورية تحقيقاً لحلمهم بناء دولتهم القومية، على حساب أربع دول في المنطقة. كان أعظم خطر على الدولة السورية، محاولة أكراد سورية بالتعاون مع أكراد العراق وإيران وتركيا إقامة دولة كردية جديدة في المنطقة. تركيا أيضاً لها حساباتها الخاصة، ذات العلاقة المباشرة بأمنها القومي ووحدة أراضيها. احتمال قيام دولة كردية وتحالفها مع خصوم إقليميين ودوليين لها، في إيران وروسيا، يشكل خطراً إستراتيجياً ناجزاً على أمن تركيا القومي.

لا ننسى العامل الدولي الحاسم، للتدخل الروسي لما حدث ويحدث في سورية، لقد وفرت موسكو الغطاء السياسي، بالحيلولة دون إدانة عنف الثورة المضادة لنظام الأسد، الذي تسبب في تهجير ما يقرب من ربع الشعب السوري.. ومقتل ما يقرب من نصف مليون إنسان.. وتدمير معظم المدن والقرى السورية.. وتفريغ أهلها منها واستبدالهم بأجانب غير عرب سوريين من الخارج، في واحدة من أبشع صور التطهير العرقي (الطائفي) الذي شهدها التاريخ.

موسكو، أيضاً: تدخلت بقضها وقضيضها عسكرياً، لإجهاض الثورة في سورية. بالتأكيد: موسكو فعلت كل ذلك خدمةً لأجندات تاريخية، بأن يكون لها موطئ قدم في مياه البحر المتوسط الدافئة.. إضافة للثأر مما وقع بها من إهانة من قبل الغرب، لما حدث في أزمة القرم مع أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على موسكو.

لكن مهما بلغ عنف ما يجري في سورية.. ومهما بلغ توغل التدخل الأجنبي، للاستفادة من حالة عدم الاستقرار.. وعجز النظام السوري على القيام بأدنى واجباته في الحفاظ على سيادة الدولة السورية، فإنه ليس هناك احتمال حقيقي لتفكيك الدولة في سورية، ليس هناك من طرف دولي، إلا ويدعو إلى الحفاظ على تماسك الدولة السورية وعدم المساس بوحدة أراضيها. داخلياً، عدا المتغير الكردي، ليس هناك فصيل سوري يدعو لقيام كيانات منفصلة له، داخل تراب الدولة السورية. الأكراد، رغم غياب الحس الوطني عندهم بالقومية السورية، إلا أن حلمهم باقتطاع أجزاء من التراب السوري لقيام دولتهم القومية، لن يتحقق بسبب معطيات إقليمية ودولية. كما أن الجهود الدولية والإقليمية لتسوية المسألة السورية، من نيويورك إلى جنيف مروراً بآستانة، جميعها تجمع على ضرورة الإبقاء على الدولة السورية.. وعدم المساومة، على وحدة التراب السوري.

ما يحدث في سورية، نموذج «كلاسيكي» لمنطق وشرعية الدولة القومية الحديثة. لم يحدث في عهد الأمم المتحدة، أن جرت المساومة على وحدة أراضي أعضائها، خارج أرادتهم السيادية. سورية ستعود موحدة وحرة.. ولن يبقى نظام الأسد طويلاً، حتى لو أبقت عليه تسويات سياسية قد تفرضها ظروف المرحلة.

في النهاية: الدولة، نفسها، هي تعبير عن ممارسة الشعب لحقه، غير القابل للتصرف، في تقرير مصيره.. وممارسته لسيادته المطلقة، على تراب وطنه.

* كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com