-A +A
أحمد عوض
في هذا الزمن المُضطرب، وأمام قِصص البطولات الوهمية التي بدأ أصحابها يتحدثون بها عن أنفسهم، ونحن جميعاً نعرف من يكون هؤلاء وما هي بطولاتهم الزائفة، تذكرت قصّة جهيمان الظفيري رحمه الله.

في عام 1979 كان جهيمان الظفيري بدوياً وحيداً ويتيماً للتوّ قِدَم من بادية الظفير ليُعيل أخواته الأربع وزوجته وأطفاله الذين تركهم في صحراء يسكنون خيمه بلا حارس سوى الله ليلتحق بحرس الحدود، كان الإرهابيون يُقاتلون دفاعاً عن تطرّفهم وإرهابهم عندما احتلّوا الحرم المكّي، وكان جهيمان الظفيري يُلاحق مُهربي السلاح القادمين من العراق، وانقلبت دورية جهيمان أثناء مُلاحقة مُهرب سلاح وكُسِرَتْ أغلبية أضلعه، وتم تحويله إلى المُستشفى ثم تم تحويله إلى لجنة طبيّة خلُصت إلى أن تتم إحالته للتقاعد!


البدوي الذي دفن أُمه وأباه بقبر بجانب بيت الشعر لم يواجه لحظة انكسار تُشبه هذه اللحظة، توسّل فيها الأطباء ألاّ يُحال للتقاعد حتى لا يجوع من هُم خلفه، رأف الأطباء بحاله وأعادوه للعمل، واستمر في عمله حتى غزو العراق للكويت عام 1990 وكان في الخطوط الأماميّة..

في عام 1991 تمت إحالته للتقاعد بعمر الـ47 ليجد نفسه يتقاضى راتباً قدره 806 ريالات ولديه 13 نسمة في بيته جميعهم أطفال.

عمل حمّالاً في مستودع حتى سقط ذات صباح مغشياً عليه بسبب غيبوبة سُكّر، تم نقله للمُستشفى وتم فصله من العمل لاحقاً..

مرّت الأيّام ومات جهيمان بعد عمرٍ حاول فيه أن يكون وفياً لبلاده ومُجتهداً في توفير حياة كريمة لأطفاله، رحل وترك خلفه أُسرته بلا شيء، سوى الذكر الطيّب..

كبُر أبناء جهيمان وكما هي الحياة ونواميسها فأبناء الأوفياء سيكونون أوفياء كآبائهم، عمل الابن الكبير جندياً في القوات المُسلحة إبّان أحداث نجران، لحقه الأخ التالي جُندياً في منطقة تبوك العسكريّة، لحقه الأخ التالي جُندياً مُرابطاً على حدود العراق في القوات المُسلّحة، ثم الإخوة الأصغر جنوداً في السجون والجوازات والدوريات الأمنيّة..

عملوا وما زالوا يعملون أوفياء ومُخلصين لبلادهم، لا يشتكون لا يتذمرون، يواجهون الحياة كما هي بلا شكوى، يحاولون في كُل صباح مواجهة صعوبات الحياة بهدوء، يعيشون حياتهم بِبساطتها، يحبون بلادهم جداً والتي فيها يستطيعون ترك أبواب منازلهم مفتوحة دون خشيّة من لص أو زائر ليل، يعرفون نعمة الوطن عندما يكون آمناً، هذا الأمر الذي زرعه والدهم جهيمان في قلوبهم وعقولهم بحكم بداوته التي عاشها ورأى فيها فوضى اللا وطن..

لقد نشأوا أوفياء لبلادهم.. ومن أراد أن يكون وفياً لبلاده لن يبحث عن سبب، ومن أراد الخيانة سيجد ما يُبرّرها له، لكنّها لن تُغير من حقيقة أنه ارتكب عملاً دنيئاً في حق نفسه ووطنه..

أخيراً..

رحم الله جهيمان الظفيري كان وما زال بطلاً في

عيون أبنائه وفياً ومُخلصاً لبلاده، وستُخلّده ذاكرة الوطن التي لا تنسى أبطالها..

* كاتب سعودي

ahmadd1980d@gmail.com