-A +A
فواز الشريف
قد لا يعلم مشجع كرة القدم أن رقصة «الباليه» الشهيرة بالعذوبة والجمال تخرج من رحم القسوة والتدريبات الشاقة والصبر والتحمل، وأن أصابع القدمين لا تتمازج بالموسيقى إلا بعد المرور بتجارب مؤلمة وإصابات متنوعة، وذاك أيضا حال كرة القدم، ففيها نفس الجمال والعذوبة والقسوة والإصابات، بل إن الإيماءات والاهتزازات في «الباليه» مع التوافق الموسيقي والبدني والعصبي نسخة طبق الأصل من المهارات في الساحرة المستديرة، وكلاهما فن، وكلاهما ثقافة، وكلاهما قائم على التحدي والأفضلية.

وبرغم القواسم المشتركة فيما بين الثقافتين إلا أن كرة القدم وحتى في رسومات «الانميشن» هي لعبة خارجة عن إطار المعقول والمنطق والمقبول، بل هي «ست الستات» ولا تشبهها أي من اللعبات، لها قانونها المجنون والذي تدور حوله كل المخارج والمداخل، ويلعبها الجميع دون استثناء حتى أصبحت توصف بأنها اللعبة «الشعبية» عطفا على شعبيتها وشهرتها واتساع دائرتها وعفويتها، كما أن «الآكشن» فيها يولد من بين حنايا «رومانسيتها».


قد نتفق أو نختلف أن تقنية «VAR» محل جدل فيما بين دعاة اللعبة الكلاسيكية التقليدية وبين دعاة التطوير وحقن كرة القدم بالتقنية والاستفادة منها والانتقال باللعبة إلى مرحلة جديدة، وهذا الجدل لا يزال قائما كما هو الحال في لعبة ولدت جدلية الطابع والطبيعة، لكن تولدت منه جدليات أخرى حول مرونة هذه التقنية وحاجة اللعبة لتتعايش مع واقعها الجديد وتغذية اللاعبين بمهارات «التمثيل» واعتماد السينمائية في الأداء واختلاق مركز «دوبلير» للقيام بالمهمات الصعبة نيابة عن اللاعبين للحصول على «ركلة جزاء» كفيلة بتحقيق نقاط المباراة.

تقنية «فار» المتفوقة بالصوت والصورة لا يمكنها أن تمنحك حكما ناجحا، فهي مجرد مشهد كل عشاق اللعبة يستطيعون الحكم عليه، وكل حكم يختلف باختلاف عمق اللعبة ومعرفة حقيقتها وممارستها، فحفظ القانون لا يعني أنك حكم، فنحن نحفظ القصائد ولا نقول شعرا.

التحكيم ثقافة وشغف وحب وفن وجنون وشخصية وقدرة خارقة وذكاء ومهارة تفوق ما يفكر به اللاعب حين يقرر اختراع مشهد سينمائي يعلق عليه أمنيات فشل فريقه ويسايره البعض من الجماهير والإعلام على طريقة «الحمية».

وأخيرا ستبقى «الباليه» واحدة من اللعبات والفنون الراقية التي تتمتع بجمالية الأداء وصعوبته، لذلك من السهل تبديل لعبتك المفضلة إذا استمرت كرة القدم نحو هذا التواضع الثقافي والجمالي، بالإضافة إلى الضجيج الذي أفقدنا حلاوة «ست الستات».