-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
اعتدنا مع بداية كل عام ميلادي أن يطل مبصّرون في عديد من القنوات الفضائية عن توقعاتهم لقادم الأحداث بين مبشرات بالخير والتفاؤل، والعكس منها بشأن العديد من الدول والمجتمعات في العالم، ويحرص البعض على متابعة مثل تلك التنجيمات التي قد يصادف بعضها وقائع لاحقة أو يخالفها، وهؤلاء يعترفون أنهم لا يقولون رجما بالغيب ولا ينجّمون.

عموما الحياة تسير والناس تنسى ما قيل مع زحام العصر ومشاغله على مدار الساعة، حتى لم يعد للإنسان متسع لراحة جسده المرهق وعقله المزدحم بالتفكير في كل شيء، دون فرصة لمراجعة نفسه وإثراء اهتماماته وترتيب حياته، ويرطبها بالتقوى والتفاؤل، فالحياة تسير إلى الأمام وتتقدم بالتفكير الصحيح والفكر المستنير وفهم المتغيرات المتسارعة، فالذي يفكر بإيجابية وينفتح ببصيرة على الآخر والعالم، ويأخذ بالأسباب فإنه يسهم في تطور البشرية، ومن يتوقف ويلزم الجمود في أمور متغيرة من شؤون دنيانا يضع نفسه في صفوف الخارجين عن نواميس الحياة.


والإنسان عدو ما يجهل عندما يغرق في عشوائية التفكير والأفعال فيميل إلى فهم الحياة على أنها هبة الحظ وليس بالتوكل على الله بالسعي في الحياة، فيصيب منها أو لا يصيب، لكنه يكسب الجد والأمل، وتلك هي القيمة وهكذا هي الاكتشافات الطبية وغيرها من الابتكارات والاختراعات والتقنيات الحديثة في كل مجال، جاءت بالعلم والبحث وتجارب لا تتوقف وليس بالحظ.

منذ أن هبط آدم وحواء إلى الأرض وذريتهما عبر أزمنة سحيقة يعلمها الله، والحياة في تطور وتغير حسب أهل وعلم كل زمان، لكن في عصرنا هذا لم يعد التقدم يُحسب بالسنين وإنما بأجيال من الابتكارات والاختراعات المتلاحقة، ونتذكر عندما كانت وسائل التواصل قبل عقود زمنية تنحصر بين الرسائل المكتوبة وكانت تصل بعد أيام، ثم الاتصال بالهاتف الثابت، وفي الإعلام كان الراديو وقليل من الصحف والمجلات الورقية وقناة أرضية ثم الفضائيات، واليوم الاتصال والتواصل والمعرفة فوريا صوتا وصورة وفي متناول الجميع، وبين أيديهم وتحت أنظار الكبار والصغار من الجنسين، عبر أجهزة الجوالات الذكية متسارعة التطور، وهذا هو مستقبل التعليم في القريب لدينا، وقد سبقتنا إليه تجارب أخرى في العالم الذي كاد أن يودع الورق في كل شيء.

ورغم هذا التطور بات الإنسان أكثر انعزالية في حياته إلا مع العالم الافتراضي الذي يغتال معنى التواصل الاجتماعي ويشوه قيم الحوار ويهدم جسوره في هذا العالم الإلكتروني المتشابك دون روية بين مؤيد لأمر ورافض له، وإذا استحضرنا مثالا كاستضافة فنانين في مناسبة تلفت نظر الملايين خارج بلادنا إلى معالم حضرية أثرية أو حديثة، تجد من يرمي بكلمات لا تفكير فيها ولا اتزان.

نحتاج في ظل هذا العالم الإلكتروني إلى سياق ثقافي مجتمعي لفهم قيمة التغيير وحتميته، وقيمة الثقافة والفنون الملتزمة الهادفة بعيدا عن تعميمات المفهوم الضيق المبتسر للفن، والمشكلة تكمن في خطورة اللغط وسهولة الإساءة التي تخنق الحوار ولا تتسع للرأي العميق والتفكير الهادئ، ومن شأن ذلك التأثير سلبا على أجيال تتابع مثل هذا السجال وهم في مقتبل العمر وتضيع أمامهم مفاتيح التفكير وسط المكر والخداع والتضليل من الذين يتربصون بمجتمعنا وبلادنا.

الحوار فضيلة لتكون الحياة أكثر اتساعا واستنارة في أقوالنا وأفعالنا، والحلم والعمل لبلادنا والتفاؤل بزرع اليوم لحصاد الغد القريب بإذن الله.

* كاتب سعودي