-A +A
محمد مفتي
لا يستطيع أن ينكر أي متابع التطورات المتلاحقة التي تطرأ على المملكة على جميع الأصعدة خلال الآونة الأخيرة، ولا سيما أنها تجري على قدم وساق في ظل طوفان من الاضطرابات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، وفي ضوء تربص بعض الدول بالمملكة نفسها مستهدفة أمنها واستقرارها، وهي التحديات التي فرضت نوعاً من إعادة الهيكلة الإدارية للكثير من الهيئات العاملة بالمملكة، لتتمكن من تطوير أدائها وتحديثه كماً وكيفاً على النحو الذي يسهم في تحقيق أهدافها الإستراتيجية وفق رؤيتها الطموح.

خلال الأيام الماضية تم استحداث هيئات حكومية من المؤكد أنها ستمثل نقلة نوعية في مسيرة التطورات في المملكة، وأول هذه الهيئات الهيئة السعودية للفضاء، وهي هيئة على غرار وكالة ناسا الأمريكية، ولطالما تابعت بالكثير من الإعجاب -وربما بعض الحسرة- البرامج الخاصة بوكالة ناسا، والتي أتيحت لي من خلال بعض البرامج التلفزيونية المتخصصة والمعنية بأبحاث الفضاء، والتي وفرت بعض المعلومات عنها وعن أنشطتها للجمهور، وقد يتعجب البعض من أهداف الأبحاث التي تجرى عن الفضاء وعن الجدوى منها، ولكن من خلال تتبعي لتلك الأنشطة وجدت أن أنشطتها لا تقتصر على استكشاف الفضاء الخارجي وإطلاق رحلات نحو الكواكب الأخرى مثل المريخ وبلوتو وغيرهما فحسب، ولكنها ترتبط على نحو وثيق بغالبية التقنيات الحديثة مثل القنوات الفضائية ووسائل الاتصالات التي تبثها الأقمار الصناعية المنشرة في سماء كوكبنا.


وبخلاف ذلك فإن وكالة ناسا تعتبر الذراع العسكري للبنتاجون ومكتب التحقيقات الفيدرالي؛ حيث تجوب أقمار المراقبة سماء الولايات المتحدة من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها لحماية حدودها وتعقب الخارجين عن القانون والكشف عن طبيعة أي نشاط مشبوه فوق أراضيها، وبهذا فإن وكالة ناسا تعتبر بمثابة صمام الأمان للأمن القومي للولايات المتحدة، وما زاد من اعتقادي بأهمية إنشاء مثل هذه الهيئة بالمملكة هو أن المملكة على ما يبدو عازمة على غزو الفضاء؛ فمنذ عدة أسابيع تمكنت المملكة بنجاح من تصنيع قمرين صناعيين سعوديين لأغراض الاستطلاع بأيدٍ سعودية، وقد تم إطلاقهما من قاعدة صينية، وفي اعتقادي أن إنشاء هذه الهيئة سيسهم في توطين الصناعات المتعلقة بالفضاء بالمملكة أكثر فأكثر، الأمر الذي سيتيح إطلاق مثل هذه الأقمار من داخل المملكة مستقبلاً، مما سيساعد على تعزيز أمنها القومي ويجنبها الأضرار الناتجة عن احتمالية استخدام بعض الدول الأخرى للأقمار الصناعية ضدها بما يهدد أمنها وسلامة أراضيها.

الهيئة الثانية التي تم إنشاؤها هي الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، وهي هيئة معنية بتنظيم المعارض وتنسيق المؤتمرات الدولية، ولا يخفى على أحد أهمية استضافة الدول للمعارض والمؤتمرات الدولية، فبخلاف أن استضافة تلك المناسبات الدولية يمثل مورداً سخياً لسياحة المعارض والمؤتمرات، فإن المعارض الدولية تعتبر بوابة تسويقية واسعة المدى للتجارة المحلية والدولية، وعلى الرغم من وجود بعض الجهات المنظمة للمعارض بالمملكة، إلا أن تلك الجهات تعمل على نحو متفرق ودون أن يتم التنسيق الجيد بين أنشطة كل منها.

أما الهيئة الثالثة هي هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، وفي اعتقادي أن إنشاء مثل هذه الهيئة سيسهم بصورة رئيسية في تنظيم حركة المشتريات في القطاعات الحكومية وزيادة التنسيق فيما بينها، كما سيمكن الحكومة من فرض معايير الجودة المطلوبة فيما يتم شراؤه، بالإضافة إلى توحيد سعر الشراء من نفس التجار والقضاء على التفاوت في أسعار شراء نفس المنتجات من قطاع لقطاع آخر، وهو ما سيرفع على نحو تدريجي من معايير الجودة للمشتريات الحكومية من جهة، ومن جودة المنتجات التي ستتنافس لتحقيق تلك المعايير من جهة أخرى، وهو ما سيعود بالنفع بوجه عام على القطاع الحكومي ككل، مما سيسهم في تطويره شكلاً ومضموناً، وعلى نحو يمكنه من أداء دوره المفترض به في ظل تطوير منظومة الهياكل الإدارية للمملكة.

* كاتب سعودي