-A +A
منى المالكي
نعيش اليوم في عالم الكلمة السحرية وهي «الجدوى الاقتصادية»، فلا يمكننا التفكير بمشروع أو عمل أي كان دون المرور من خلال بوابة الاقتصاد، وهذا الفكر الاقتصادي يفرض علينا التفكير جدياً وملياً في الفرص الاستثمارية الحقيقية التي ترتقي بالحراك الثقافي السعودي ليصل إلى تحقيق أهداف إستراتيجية مهمة. أزعم أن أهمها الارتقاء بالفعل الثقافي بوصفه قوة ناعمة تفعل ما لا تفعله المواجهات المباشرة، والدليل على ذلك حضور ثلاثة رؤساء لبنانيين سابقين في الحفل الغنائي للفنانة العظيمة ماجدة الرومي ضمن احتفالات «شتاء طنطورة»!

دعونا بداية نقرر حقيقة التعاون الضعيف جدا بين القطاع الخاص والمؤسسات الثقافية في بلادنا، وهذه حقيقة يعلمها الجميع لكن السؤال الوجيه هو ماذا ستقدم الثقافة بمكوناتها المتعددة لرجل أعمال يهمه حسابات الخسارة والربح، وهذا من حقه إذا أخذنا في الاعتبار واقع المؤسسات الثقافية لدينا التي تعيش سباتا لم يستوعب حقيقة طموحات الشباب، وواقع وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الاجتماعي الثقافي التي تعيشه بلادنا، وأن الأحلام تحققت بسرعة أكبر من أن تستوعبها عقليات كانت تفكر في الفاصل بين الرجال والنساء في عهد سابق قبل التنظيم لمشهد ثقافي!


الحقيقة أننا نخطط لمستقبل لم يعد يتذكر تفاصيل سابقة انتهت ويعلم جيداً أن الواقع أجمل من أن نقضيه في حسابات لا طائل منها، نحن في سؤال كيف يمكن الاستثمار في الثقافة؟! هذا هو الهدف الأساس الذي لابد أن نعمل عليه خططاً إستراتيجية ثم يتحقق واقعاً عملياً. دعونا نستثمر في السينما التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بشركات إنتاج أفلام، تلك الأفلام التي تقوم على حكاية وتلك الحكايات ما هي إلا نسيج يصنعه أدباء! لماذا لا يتم استثمار روايات سعودية في إنتاج أفلام لصالاتنا الحديثة وفي ذات الوقت نحقق تأصيلا لهويتنا السعودية، وهذا تتبعه فرص وظيفية في تلك الشركات التي سترتقي بالحالة الاقتصادية للمجتمع ونشر الوعي والارتقاء بثقافة المنتسبين لها.

ويتبع ذلك شركات إنتاج فنية لأعمال شعرية صنعتها قامات سعودية تلحيناً وغناءً، تلك الأعمال الخالدة تسمو بالذوق الفني لشبابنا وتؤصل لوجود تلك الأعمال في وجدان شبابنا الذين هربوا إلى موسيقى لا تمثلنا، وسنشكو بعد فترة غياب الحس الفني ونحن لم نعمل شيئا لوقف سونامي الهبوط الفني الذي يحاصرنا.

أيضاً الاستثمار في المعارض والمؤتمرات الثقافية من خلال تنظيمها ورعايتها، وقد فطن صانع القرار لذلك بإنشاء هيئة ترعى هذا التوجه في الأوامر الملكية الأخيرة التي أتت لتعجيل الحراك الاقتصادي لبلادنا لتحقيق الرؤية المباركة، وفي ذلك فرص مميزة لقطاع الثقافة لاستثمارها لصالح الارتقاء بمراكزنا الثقافية.

هذا كله يعمل تحت رقابة وضوابط لعمل التوازن بين الاستثمار الفاعل الذي يؤدي أهدافا لخدمة الوطن أولاً وأخيراً وتوجيه القوة الناعمة «الثقافة» للارتقاء بالذائقة المجتمعية واستخدام تلك القوة الناعمة في ما يؤصل لتاريخنا وتراثنا في وجدان الجيل القادم.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@