-A +A
هاني الظاهري
منبج مدينة عربية في الشمال السوري تسيطر عليها اليوم قوات سورية الديموقراطية المدعومة من واشنطن والمكونة من مجاميع كردية وبعض العشائر العربية، وهي منذ ثلاثينات القرن الماضي هدف أساسي من أهداف الأطماع الاستعمارية التركية العتيقة، التي ترغب (بشكل هستيري حاليا) في استغلال الظروف السياسية المرتبكة في المنطقة لالتهام ما تعتقد أنه نصيبها من كعكة الأراضي العربية قبل فوات الأوان، ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أخيراً عن قرب سحب قوات الولايات المتحدة من سورية بدأ الأتراك تحركهم السياسي وأعلنوا عن توجههم لإرسال قواتهم إلى منبج بحجة محاربة الإرهاب الكردستاني.

لكي نفهم لماذا انتفضت السياسة التركية وأزبدت وأرعدت حول وضع هذه المدينة عقب إعلان الأمريكيين عن انسحابهم من سورية يجب أن نعود بالذاكرة إلى ما نشرته صحيفة يني شفق التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قبل نحو عام و7 أشهر، إذ قالت في تقرير مثير للجدل إن مدينة «منبج» الواقعة في شمال سورية ملكية خاصة للسلطان عبدالحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية البائدة.


وألمح التقرير الذي يعري بشكل مباشر وواضح الأطماع الاستعمارية التركية والمدعم بصور وثائق مزعومة مقتبسة من كتاب الكاتب أنس دمير بعنوان «أراضي الميثاق الوطني في ضوء المصادر: منبج والتاريخ»، أن السلطان عبدالحميد الثاني كان قد صرف من ماله الخاص لشراء «ثلث مدينة منبج والقرى المحيطة بها، وأسس بها مدرسة وجامعا».

وإذا عرفنا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حالياً يعتقد ويروج في كل مناسبة وخطاب أنه الوريث الشرعي للسلطنة العثمانية البائدة دون أن يخفي أحلامه باستعادة ما فقدته تلك السلطنة من أراض استعمرتها ونكلت بشعوبها وارتكبت فيها أبشع المجازر التاريخية، فيمكننا فهم أن مسألة «منبج» لا علاقة لها بشماعة محاربة الإرهاب الكردي المزعوم وإنما هي أعمق من ذلك بكثير، ومرتبطة تماما بالطموح الاستعماري التركي المسعور، ما يعني أن دخول القوات التركية إليها لن يكون مؤقتاً وإنما خطوة أولى لضمها إلى الجمهورية التركية وتهجير سكانها من العشائر العربية والكرد واستبدال مواطنين أتراك بهم كما هي العادة مع القرى الحدودية الواقعة على الحدود السورية التركية التي تصل إليها يد أنقرة.

ولهذا فعلى المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لحماية الأراضي العربية وسكانها في الشمال السوري من المطامع التركية التوسعية؛ إذ لا يختلف الوجود الأجنبي التركي في سورية عن الوجود الإيراني المرفوض والمستنكر دوليا، ولا يمكن السماح لهذه القوى الطامعة باقتسام أراضي دولة عربية تمر بأسوأ ظروفها التاريخية، فلا حق في سورية إلا للشعب السوري، ولا ينبغي السماح بعودة عصور الاستعمار بناء على هلاوس من يعيشون في الماضي الغابر.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com