-A +A
محمد مفتي
غالباً ما يشوب العمل في الكثير من شركات القطاع العام نوع من الرتابة والروتين والبيروقراطية، خاصة في المشروعات الخدمية ذات العلاقة المباشرة مع المواطن، لكنها إحدى السمات المميزة لطبيعة هذا العمل وخاصة في الدول النامية، ويتعارض هذا الأمر مع مناهج الإدارة الحديثة والتي تعتبر العميل الهدف الإستراتيجي الرئيسي الذي يجب أن يحظى بالاهتمام؛ حيث بات الحصول على رضاه واحداً من أهم الغايات التي تسعى مؤسسات الأعمال لنيلها، وذلك بالتوازي مع سعيها الحثيث لنيل ميزة تنافسية تمكنها من البقاء والاستقرار.

خلال الأسبوعين الماضيين توجهت عدة مرات لشركتي المياه والكهرباء لأسباب تتعلق بفواتير منزلي، وخلال تواجدي هناك وانتظاري لمقابلة الموظف المسؤول والمختص كان هناك الكثير من المواطنين؛ حيث كان لكل واحد منهم حاجة أو شكوى أو اعتراض أو ملاحظة خاصة على فواتيره يرغب في مناقشة المسؤولين بشأنها، وخلال فترة الانتظار كان المراجعون يتبادلون همومهم وشكاواهم مع بعضهم البعض، وعلى الرغم من أني لم أقم بمشاركتهم فيما كانوا يتحدثون بشأنه، إلا أنني كنت حريصاً على معرفة اهتماماتهم والاستفادة منها دونما تدخل مباشر في سير هذه المناقشات.


وقد لاحظت خلال انتظاري أن كل موظف كان مشغولاً بمناقشة العميل الجالس أمامه فحسب، وخلال تأملي للوضع تمنيت وقتها وجود مديري الفروع بين المراجعين لسماع شكاوى المواطنين حتى بدون تدخل مباشر منهم، فالاستماع لهذا القدر من الشكاوى ربما يساعد المسؤولين في اكتشاف حجم المعاناة التي يتكبدها الكثير من المراجعين خلال معالجة الشكاوى، وبخلاف أن هذا السلوك سيثلج صدور العملاء وقد يساعد -ولو جزئياً- على حل مشكلاتهم، فإن تلك الملاحظات ستثري عمل المديرين، وستمكنهم من معرفة الثغرات والمشكلات التي تعترض طريقهم وتعيقهم عن الإدارة الصحيحة لأقسامهم، وستمثل لهم معالم بارزة في طريق التقييم السليم لحل المشكلات تمهيداً للوصول لحلول ناجعة وسريعة لها.

لابد أن يكون لكل مسؤول خطوط للتواصل مع المراجعين ولو حتى لأيام محددة كل أسبوع، فمعالجة مثل هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة قد لا يساعد أصلاً على تكوين صورة صحيحة عن طبيعة وحجم المعاناة التي يتكبدها المواطن، وأنا لا أتحدث هنا فقط عن شركتي المياه والكهرباء، ولكن أتحدث عن جميع القطاعات الخدمية ذات العلاقة مع الجمهور، وقد يهتم مثل هؤلاء المسؤولون بمشكلة معينة تمت إثارتها خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر صفحات الصحف، لأن ذلك يعني ضمناً وجود خلل في إدارة هذا الفرع أو ذاك، وبالتالي يقوم هذا النوع من المديرين بمعالجة هذه المشاكل خوفاً من المساءلة الرسمية، وخشية من نيل العقوبة على سوء الأداء والتقصير.

من المؤسف ألا يتم الاهتمام بمصالح وشؤون العملاء إلا اعتماداً على سيف الإعلام -المكتوب أو المرئي- والذي يمثل في غالبية الأحوال الملجأ الوحيد للمواطنين يبثون من خلاله شكاواهم وتظلماتهم، وهذا السلوك في واقع الأمر لابد أن يتغير، فمن ناحية يعتبر العميل أو المواطن حجر الأساس في عملية أي تنمية مستدامة، وتلبية احتياجاته والعمل الدائم على نيل رضاه يمثل الركيزة الأساسية في استقرار العمل وازدهاره، ومن ناحية أخرى يعد تطوير العمل الإداري كمنظومة متكاملة أحد أهم الأهداف التي تعتمد عليها رؤية 2030، والتي تهتم بالعنصر البشري بقدر اهتمامها بآليات العمل الإداري وتطويره تمهيداً لتأهيل المجتمع للتحول إلى الأفضل.

* كاتب سعودي