-A +A
علي بن محمد الرباعي
أطلق عليه أنداده من الشباب (المُتويتح) فهو يتمتع بهدوء عكس عائلته المشهورة بفصيلة دمها الحار، كانت برودة أعصابه تستفز مشاعر كل من يعرفه، ومن يتعامل معه، منهم من يراها ثقالة الدم. وآخرون يتمنون لو أن لهم أعصاباً من نوعية أعصابه، ويكررون على مسمعه (الله يهنيك بقلبك)، وبعضهم إذا انفعل قال «قلبك قلب ثور» وهو يتبسم، مردداً «الحمد لله».

أرسلته أمه يطحن كيساً من القمح عند صاحب طاحون في قرية مجاورة، ووزعت كيس الحب في خريطتين، وأدخلت كل خريطة في جانب من الخُرج، وازنتهما فوق ظهر الحمارة، وأوصته إذا ركب يضبط نفسه حتى لا يميل الشد وينكت تموين البيت في الطريق، لم يرد. اقتاد الحمارة حتى خرج بها من حدود القرية، وركب ودلدل أرجوله.


في منزل أحد الأودية فاجأه حمار رمادي مفلوت، فانتفضت الحمارة، وشدّت أذنيها إلى الأعلى، ثم نهقت، وبدأت تقعّص، ونكست (المتويتح) والحَبّ فوق شجرة طلح صغيرة، وانطلقت إلى الركيب الذي فيه الحمار، وانشغل عن اللحاق بها بتنقيش الشوك من قدميه ومواضع أخرى من جسمه.

رأته ابنة جيرانهم من قمة جبل يشرف على الوادي، فأشفقت عليه، وساقت غنمها باتجاهه. ساعدته في النهوض، ثم تحسست الشوك وبدأت تنزع ما وصلت إليه يدها، كانت تنقشّه وتحدثه وهو لا يرد لأنه خجلان. سألته «وش بتسوي» فقال: بارجع أعلّم أمي، وأنتِ انتبهي للحَب، والخُرج. قالت: أبشر، وأعطته كسرة خبزة فبدأ ينتش منها.

قبل ما يصل البيت لقي أولادا يلعبون مصاكيع، فدخل معهم في اللعب، واندمج، ونسي كل شيء، انتظرت الأم إلى وقت حلول المغرب، فانتابها القلق، وظهرت فوق سطح البيت تتشوف له، سمعت الأولاد ينادون باسمه، فرأته في ميدان اللعب، ونزلت عليه بالمقشة، سألته عن الحمارة والحَب فردّ عليها وهو شارد منها، فرجمته بالحجارة، بينما هو يضع يده في جيبه ويتحسس فتات الخبز ويضعه في فمه.

راحت الأيام وجاءت الأيام وتحوّل المتويتح إلى فيلسوف، يعاتب أقرانه، ويقول على مهلكم بصحتكم. اللي ما تجيبه السرعة يجيبه الريّض، والعجلة ما تصيد الحجلة. علمي وسلامتكم.

Al_ARobai@