-A +A
عبدالله صادق دحلان
أرقام الميزانية هذا العام تفاؤلية ومحفزة، طمأنت شعب المملكة بقوة اقتصاد المملكة وقدرته على تجاوز كل التوقعات السلبية العالمية في عام 2019 و2020 ووصفها بالكساد وبطء في نمو معظم دول العالم، وهذا ما كتبته الأسبوع الماضي بناءً على توقعات الخبراء في مؤتمر دبي الاقتصادي الذي عقد في الأسبوعين الماضيين، وفي الواقع يحق لنا أن نفخر باقتصاد بلادنا الذي استطاع القائمون عليه أن يخالفوا كل التوقعات السلبية للاقتصاد العالمي ويحولوها إلى توقعات إيجابية مبنية على أرقام حقيقية تم الإعلان عنها في صدور الميزانية، ومن أهم هذه المؤشرات الإيجابية هو الإعلان عن توفير قرابة المائة ألف وظيفة والإعلان عن احتواء البطالة تدريجياً، حيث بلغ عدد السعوديين الباحثين عن عمل حوالي 300 إلى 400 ألف مواطن ومواطنة والاعتراف بأن نسبة البطالة وصلت إلى 12.8% وبلغت نسبة السعوديين في القطاع الخاص حوالي 42% حسب تصريحات وزير التخطيط، ومن أهم الوعود التي أعلنت عنها مؤسسة النقد (ساما) هي عدم المساس بسعر صرف الريال السعودي وعدم المساس بحرية التحويلات خلال العام الحالي وهو التزام رسخ الثقة في الاقتصاد السعودي وحرية النقد وتنقلاته وأبرز مشروعات مؤسسة النقد التشغيلية التقنية المالية ومبادئ التمويل المسؤول ومبادرة وكلاء المصارف إضافة إلى المدفوعات الرقمية.

ومن أهم التأكيدات لوزير المالية السعودي هي توقعاته الإيجابية للإنجازات في عام 2019م والتي تفوق كل التوقعات، مع التزام الحكومة بتوفير الخدمة للمواطن بشكل مميز والاستثمار في البنية التحتية التي تهم المواطنين والتزام وزارة الصحة برفع الجودة للخدمات الصحية والوقائية، وفي مجال التعليم تطوير المباني المدرسية والتخلص من المباني المستأجرة.


وفي الحقيقة أشعر بفخر واعتزاز بأن أهم اهتمامات الميزانية هو المواطن وتوفير جميع الخدمات له وهو مطلب العامة من شعب المملكة، ولن أدخل في تفاصيل وتحليل أرقام الميزانية التي أعلن عنها وتناولها الكتاب بالتحليل والتفصيل.

إلا أنني أشيد اليوم بسياسة تنويع الدخل وتمكين القطاع الخاص من تحقيق دوره في النمو الاقتصادي واستدامة المالية العامة وتحقيق التوازن المالي من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق، ورغم أن الموارد غير البترولية أتت في الدرجة الثانية من حيث إيرادات دخل الميزانية وهي متمثلة في عناصر دخل متعددة إلا أن بند الضريبة المضافة كان له دور كبير في زيادة الدخل غير البترولي، ومن المؤكد سوف تكون مساهمته أكبر في دعم الميزانية أو تغطية العجز فيها نظراً لانخفاض أسعار البترول المتوقعة، إلا أن هذه الضرائب والرسوم سوف تقع على عاتق المسؤولين في الدولة وهي مسؤولية كبيرة في توجيه هذه الإيرادات لخدمة احتياجات المواطنين والمشاريع المتعلقة بهم والذين سيتابعون على مبدأ الشفافية مصاريف إيرادات الضرائب والتي أجزم أن الدولة خصصت أضعافها لخدمة المواطنين وتنمية الوطن وكأي شعب لدولة نامية يهتم شعبها بالصحة والتعليم والغذاء والسكن وهي متطلبات أساسية لا يمكن إهمالها أو إسقاطها من الأولويات.

لقد استمعت وبإنصات لبعض تصريحات وزير التجارة والاستثمار عن نمو الاستثمارات المحلية والدولية وعن تضاعف عدد المؤسسات والشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات المساهمة، وهي مؤشرات إيجابية عن وضع الاستثمار في المملكة ومع هذا النمو الإيجابي أتمنى أن ندرس بعض المؤشرات السلبية مثل خروج الآلاف من المؤسسات الصغيرة من سوق العمل ونبحث أسباب خروجها وعجزها والإفلاس لبعضها، كما أتمنى أن ندرس بعض الظواهر مثل تباطؤ نمو سوق العقار (بيع وشراء وتأجير) وانخفاض نسب المبيعات للسلع الكمالية والأساسية وانخفاض أعداد الطلبة في الجامعات والكليات والمدارس الأهلية، وهي تمثل استثمارات ضخمة، وآمل أن نجد حلولاً داعمة ومساندة للجامعات والكليات والمدارس الأهلية التي استثمر فيها البلايين وتعاني من ضعف الإقبال عليها والتوجه للتعليم الحكومي مما يؤثر على استمراريتها وقد يصل إلى حد وقفها وهي خسارة على الاقتصاد.

إن أي إصلاح اقتصادي له مردود إيجابي كبير وعام، وله تأثيرات سلبية على بعض القطاعات، وهذا لا يعني أننا إطلاقا سنتوقف عن الإصلاح، وأنا أرفض هذا الخيار وأرى أنه الأجدى أن نعمل على دعم القطاعات المتأثرة سلبياً لفترة زمنية حتى تقف على أرجلها وتعيد هيكلتها لتتماشى مع الرؤية الجديدة التي نؤيدها وندعمها لأنها بوابتنا للنجاح.

وأجزم أن الجامعات السعودية حكومية وخاصة قادرة على إعداد دراسات عن القطاعات التي تحتاج إلى دعم ومساندة من الدولة أسوة بدعم الدولة للصناعات السعودية عن طريق قروض إنشائها ودعم صادراتها وتخفيض جمارك مصانعها المستوردة ودعم صادراتها وحمايتها عندما تواجه الإغراق وإعطائها الأولوية في المشتريات الحكومية.

* كاتب اقتصادي سعودي